سورة تبت (المسد)
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١))
(تَبَّتْ) أي خسرت وهلكت (يَدا أَبِي لَهَبٍ) أي نفسه ، واليد عبارة عن النفس ، إذ العرب قد تعبر ببعض عن كل ، وهو عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وليست الكنية تكرمة له ، وإنما كني لشهرته بكنيته دون اسمه وهو عبد العزى ، قيل : نزل حين صعد النبي عليهالسلام على الصفا ونادى بأعلى صوته وا صاحباه بعد نزول (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)(١) فاجتمعوا ، وقال لهم : «إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» ، فقال أبو لهب : تبا لك ألهذا دعوتنا؟ (٢) فقال تعالى (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) جوابا له على سبيل الدعاء عليه ، قوله (وَتَبَّ) [١] خبر ، أي هلك ، وهذا كقولهم أهلكه الله وقد هلك.
(ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢))
(ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ) «ما» نفي ، أي لم ينفعه ماله في الآخرة لشركه في الدنيا وصرفه في عداوة رسول الله عليهالسلام (وَما كَسَبَ) [٢](ما) موصولة ، أي والذي كسب من الولد ، ومنه قوله عليهالسلام : «إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه» (٣).
(سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤))
(سَيَصْلى) أي سيدخل (ناراً) أي في نار (ذاتَ لَهَبٍ) [٣] أي صاحبة توقد ، قوله (وَامْرَأَتُهُ) عطف على ضمير (سَيَصْلى) ، أي ستدخل امرأته معه في النار وهي أخت أبي سفيان ، قوله (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) [٤] بالرفع بدل من (امْرَأَتُهُ) ، وبالنصب (٤) على الشتم ، ويجوز أن يكون (امْرَأَتُهُ) مبتدأ ، خبره (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) ، روي : أنها كانت تحمل حزمة الشوك والسعدان فتنثرها بالليل في طريق النبي عليهالسلام من بغضها له عليهالسلام حتى بلغه من ذلك عناء وشدة (٥).
(فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥))
قوله (فِي جِيدِها حَبْلٌ) مبتدأ وخبر ، محله نصب على الحال من ضمير (حَمَّالَةَ) أو هي جملة مستأنفة ، أي في عنقها حبل (مِنْ مَسَدٍ) [٥] أي مما مسد من الجبال ، وال (مَسَدٍ) الفتل الشديد ، لأنها كانت تحمل الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون ، ذكره تخسيسا لحالها وتحقيرا لها وإغضابا لبعلها وهما في بيت العز والشرف ، وروي : أنها وضعت الحزمة على جدار وشدتها بحبل من ليف على صدرها فأتاها جبرائيل عليهالسلام ومده خلف الجدار فخنقت حتى ماتت (٦) ، فأشار إلى ذلك بقوله (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) ، وقال بعض المفسرين : هو سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعا في عنقها في النار ، بعضها يدخل في فيها ويخرج من دبرها ويكون سائرها على جسدها وتحتها نار وفوقها نار (٧).
__________________
(١) الشعراء (٢٦) ، ٢١٤.
(٢) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ٣٧٩ ـ ٣٨٠ ؛ والبغوي ، ٥ / ٦٤٤ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٥٢٣.
(٣) أخرجه ابن ماجة ، التجارات ، ١ ؛ ووالدارمي ، البيوع ، ٦ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٢٦٢.
(٤) «حمالة» : قرأ عاصم بنصب التاء ، وغيره برفعها. البدور الزاهرة ، ٣٤٨.
(٥) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٣ / ٥٢٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٢٦٢.
(٦) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ٣ / ٥٢٣.
(٧) انظر السمرقندي ، ٣ / ٥٢٣ ؛ والبغوي ، ٥ / ٦٤٥ (هذا القول مروي عن ابن عباس وعروة وابن الزبير).