سورة الناس
مدنية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١))
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) [١] أي برازقهم ، خص (النَّاسِ) بالذكر تشريفا وإعلاما أن لا معاذ لهم سواه ، وأصله نيس مقلوب نسي من النسيان أو نوس أو أناس ، حذفت همزته.
(مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣))
قوله (مَلِكِ النَّاسِ) [٢] عطف بيان ل «رب» ، أي خالقهم ومالكهم ، يفعل بهم ويحكم عليهم ما يريد ولا معقب لحكمه منهم (إِلهِ النَّاسِ) [٣] قيل : هو عطف بيان آخر غاية البيان (١) ، لأنه خاص لا شركة فيه ، لأنه قد يقال رب الناس وملك الناس لغير الله تعالى ، ولا يقال فلان إله الناس ، ولم يكتف بذكر الناس مرة في إظهار المضاف إليه وإضمار البواقي ، لأن عطف البيان مظنة الإظهار في البيان دون الإضمار.
(مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤))
قوله (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) متعلق ب (أَعُوذُ) ، و (الْوَسْواسِ) مصدر بمعنى الوسوسة ، والمراد به الشيطان سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه لأنها شغلة دائما أو المراد ذو الوسواس وهو الصوت الخفي (الْخَنَّاسِ) [٤] أي الكثير التأخير ، من الخنوس وهو التأخر ، لأن الشيطان جاثم علي قلب الإنسان ، فاذا ذكر الإنسان ربه خنس الشيطان وولي ، وإذا غفل وسوس إليه ، قال قتادة رضي الله عنه : «الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان ، فاذا ذكر الله خنس» (٢).
(الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥))
قوله (الَّذِي يُوَسْوِسُ) جر صفة ل (الْخَنَّاسِ) أو رفع أو نصب علي الذم ، أي الذي يحدث (فِي صُدُورِ النَّاسِ) [٥] بكلام خفي حتي يصل إلي فهم القلب من غير سماع ليضله عن طريق الحق.
(مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦))
قوله (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [٦] بيان ل (الَّذِي يُوَسْوِسُ) ، إذ الشيطان جني وإنسي ، قال تعالى (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ)(٣) ، أي أعوذ من شر وسوسة الإنس والجن ، ويجوز أن يكون بيانا ل (النَّاسِ) في (صُدُورِ النَّاسِ) ، والمراد منه الناسي ، حذف منه الياء تخفيفا (٤) ، فيعم الإنس والجن لأن النسيان عن ذكر الحق يعرض لهما أو المراد ب (النَّاسِ) الثقلان علي سبيل التغليب ، والأول أوجه لعدم المناسبة بينهما ، لأن الجن من الاجتناب وهو الستر عن أعين الناس ، والناس من الإيناس وهو الإبصار والظهور ، روي في شأنهما عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقد أنزل علي سورتان ما أنزل مثلهما وإنك لن تقرأ سورتين أحب ولا أرضى عند الله منهما» (٥) ، قال عثمان بن واقد : «سألت من محمد بن المنكدر عن المعوذتين ، أهما من كتاب الله تعالى؟ قال : من لم يزعم أنهما من كتاب الله تعالى فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (٦).
__________________
(١) أخذ المؤلف هذا القول عن الكشاف ، ٦ / ٢٦٥.
(٢) انظر البغوي ، ٥ / ٦٥٦.
(٣) الأنعام (٦) ، ١١٢.
(٤) حذف منه الياء تخفيفا ، ي : ـ ح و.
(٥) روى الترمذي نحوه ، فضائل القرآن ، ١٢ ؛ تفسير القرآن ، ٩٤ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٢٦٦.
(٦) انظر السمرقندي ، ٣ / ٥٢٩.