(وَجادَلُوا بِالْباطِلِ) أي بالشرك والتكذيب (لِيُدْحِضُوا بِهِ) أي ليبطلوا بالباطل (الْحَقَّ) أي الإسلام (فَأَخَذْتُهُمْ) أي عاقبتهم (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) [٥] أي إنذاري ، يعني وجدوا ما عملوا حقا وأنت قد رأيته وعلمته وهو تهديد لكفار مكة ، لأنهم كانوا يمرون على آثار من قبلهم في تقلبهم لتجاراتهم.
(وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٦))
(وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك العذاب (حَقَّتْ) أي وجبت (كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) بك من أهل مكة (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) [٦] محله رفع بدل من كلمة (رَبِّكَ) أو نصب بحذف اللام للتعليل وبيان استحقاقهم ذلك العذاب.
(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧))
قوله (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) مبتدأ ، وخبره (يُسَبِّحُونَ) ، وهم الذين ما بين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمسمائة عام ، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم وهم أشد خوفا من أهل السماء السابعة ، وكل أهل سماء (١) أشد خوفا من أهل سماء تحتها ، قوله (وَمَنْ حَوْلَهُ) عطف على (الَّذِينَ) ، أي ومن حول العرش من الملائكة وهم الكروبيون سادة الملائكة المقربين وهم سبعون ألف صف يطوفون حوله (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أي حامدين ربهم (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) تعالى ببصائرهم ، لأنهم محجوبون عن إدراكه بأبصارهم ، ووصفهم بالإيمان لإظهار شرف الإيمان وفضله واللترتيب فيه (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) به يقولون في دعائهم لهم (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) تمييزان ، أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء فتعلم أعمالهم وأحوالهم وتقدر أن ترحمهم وتغفر لهم (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا) أي علمت منهم الرجوع إليك بالعمل الصالح فرجعوا عن الشرك والمعاصي (وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) أي دين الإسلام (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) [٧] أي ادفعه عنهم ويقولون.
(رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨))
(رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) على لسان الرسل (وَ) ادخلها (مَنْ صَلَحَ) أي وحد الله (مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) معهم (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) في ملكه (الْحَكِيمُ) [٨] في أمرك.
(وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩))
(وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) أي احفظهم من عذاب معاصيهم في الآخرة وادفعه (٢) عنهم برحمتك الواسعة (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ) ويجوز أن يراد بالسيئات الكفر والنفاق والرياء ، ويكون (يَوْمَئِذٍ) في التقدير مؤخرا ، أي ومن تق السيئات في الدنيا فقد رحمتك يومئذ يقولون هذا الدعاء وإن كان الله قد وعد المؤمنين المغفرة والرحمة بتوبتهم فاستغفارهم لهم وشفاعتهم زيادة الكرامة والثواب وتنبيه على شرفهم وإيذان أن الاشتراك في الإيمان يوجب الشفقة والنصيحة وإن اختلفت الأجناس كالملك والإنس (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [٩] أي وقايتك إياهم من العذاب هو النجاة الوافرة.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠))
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) روي : «أن الكفار لما عاينوا النار ودخلوها بعد رؤيتهم أعمالم الخبيثة في كتبهم ومقتوا أنفسهم» (٣) ، أي لاموها وغضبوا عليها (يُنادَوْنَ) أي تناديهم خزنة جهنم (لَمَقْتُ اللهِ) أي غضبه وسخطه على أنفسكم (أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ) بألسنة الرسل في الدنيا (فَتَكْفُرُونَ) [١٠] أي تجحدون
__________________
(١) سماء ، وي : السماء ، ح.
(٢) وادفعه ، ح و : وادفعهم ، ي.
(٣) عن مقاتل والكلبي ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١٦٢.