دليل قوي على صدق طوعه ونيته أو لا يؤتون الزكوة تطهييرا (١) لنفوسهم من الشرك بقول (٢) «لا إله إلا الله» (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) [٧] أي بالبعث جاحدون.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨))
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [٨] أي غير مقطوع ولا منقوص في حال ضعفهم ومرضهم.
(قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩))
(قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ) هذا الاستفهام لزجر الكافرين عن كفرهم بالله ، أي أإنكم لتجحدون (بِالَّذِي) أي بالله الذي (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) الأحد والاثنين ففي يوم الأحد بدأ خلقها وفي يوم الاثنين بسطها (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً) أي تصفون لله شركاء في العبادة (ذلِكَ) أي خالق الأرض في يومين (رَبُّ الْعالَمِينَ) [٩] أي مالك جميع الخلائق ، قيل : لو أراد الله أن يخلقها في لحظة واحدة لفعل لكنه أراد أن يبصر الخلق وجه الإناءة والقدرة على خلقها في لحطة واحدة وفي أيام بكثرة سواء له تعالى (٣).
(وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠))
قوله (وَجَعَلَ فِيها) استئناف ، إذ لا يجوز عطفه على صلة الذي للفصل بينهما بقوله (وَتَجْعَلُونَ) الآية ، أي هو جعل في الأرض (رَواسِيَ) أي جبالا ثوابت فيها كالأوتاد (مِنْ فَوْقِها) لا من تحتها كالأساطين أو المسامير المركوزة فيها ، بل جعلها فوق الأرض ليكون المنافع حاضرة في الجبال لطالبيها (وَبارَكَ فِيها) بكثرة (٤) المياه والأشجار والنبات (وَقَدَّرَ) أي قسم (فِيها) أي في الأرض (أَقْواتَها) أي أرزاقها جمع القوت ، يعني أقوات الأناسي والبهائم وغيرها ، قوله (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً) فذلكة لحساب ما تقدم ، ومحله رفع خبر مبتدأ محذوف ، أي كل ذلك ، يعني خلق الأرض وما فيها مما ذكر في أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان ، ونصب (سَواءً) على المصدر ، أي استوت سواء ، يعني استواء ، قوله (لِلسَّائِلِينَ) [١٠] يتعلق بمحذوف ، أي انحصرت المدة فيها لأجل السائلين عن خلقها بما فيها ولم يقل هنا في يومين كما قال في خلق الأرض (فِي يَوْمَيْنِ) لفائدة ليست في يومين ، وهي الدلالة على كون الأيام الأربعة كاملة ، ولو قال في يومين لجاز أن يراد أكثرهما في الأولين والآخرين ، إذ قد يطلق اليومان على أكثرهما.
(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١))
(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) أي صعد أمره إلى خلقها وهو قوله «كن» (وَهِيَ دُخانٌ) أي السماء كانت بخارا كهيئة الدخان فخلقها منه ، روي : أن العرش كان على الماء قبل خلق السماء والأرض ، فألقى الله الحرارة على الماء فارتفع من الماء البخار وألقى الريح على الماء فزبد الماء فخلق الأرض من الزبد والسماء من البخار (٥)(فَقالَ لَها) أي السماء (وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا) أي جئنا إلى ما أريد منكما من كون السماء مقرا لأهلها سقفا لأهل الأرض وكون الأرض قرارا ومهادا لهم (طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) أي اختيارا أو اضطرابا ، وهما مصدران في موضع الحال طائعتين أو كارهتين ، وهو مثل للزوم تأثير قدرته فيهما واستحالة امتناعهما من ذلك التأثير أو هو حقيقة في علمه وقدرته ، روي : «أنه قال تعالى للسماء أخرجي شمسك وقمرك ونجومك ، وللأرض أخرجي نباتك وثمارك ، فان فعلتما ذلك طوعا وإلا ألجأتكما إلى أن تفعلا ذلك كرها» (٦)(قالَتا) أي السماء والأرض (أَتَيْنا) بما فينا (طائِعِينَ) [١١] غير
__________________
(١) الزكوة تطهييرا ، ح : التطهير ، وي.
(٢) بقول ، و : بقولهم ، ي ، بقوله ، ح.
(٣) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ٣ / ١٧٧ ـ ١٧٨.
(٤) بكثرة ، ح و : لكثرة ، ي.
(٥) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ١٧٨.
(٦) ذكر مقاتل نحوه ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١٧٨.