العافية في الجسد والسعة في الرزق (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ) أي إن (١) أصابه الفقر والشدة (فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) [٤٩] أي هو يقطع الرجاء ويظهر أثره عليه من رحمة الله ولا ييأس من رحمته إلا الكافرون ، ويوضح ذلك قوله (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ) أي آتيناه (رَحْمَةً) أي سعة وعافية (مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) أي شدة أصابته (لَيَقُولَنَّ هذا لِي) أي أنا مستحق له بعلمي وعملي أو هذا لي لا يزول عني البتة (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) كزعم محمد (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي) فرضا (إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) أي الجنة ، يقوله استهزاء بالبعث فقال تعالى (فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي لنخبرنهم (بِما عَمِلُوا) من الأعمال الخبيثة (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ) أي لنجزينهم (مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) [٥٠] أي شديد لا يفتر عنهم.
(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١))
(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) أي على الكفار (أَعْرَضَ) عن شكرنا وطاعتنا (وَنَأى بِجانِبِهِ) قرئ بالهمز قبل الألف وبالعكس (٢) ، أي باعد جانبه ، أي نفسه أو عطفه ، أي حرفه عن دعائنا ، يعني تكبر واستغنى عنا (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) أي الشدة والفقر (فَذُو دُعاءٍ) أي فهو ذو دعاء (عَرِيضٍ) [٥١] أي طويل أو كثير ، قيل : هذا في شأن رجل وهو الوليد بن المغيرة (٣) ، وقوله (فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) في شأن رجل آخر وهو أحد الصاحبين في سورة الكهف.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢))
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أي أخبروني (إِنْ كانَ) القرآن (مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) عنادا قبل التأمل الصحيح (مَنْ أَضَلُّ) إذا نزل العذاب بكم هنا أو يوم القيامة (مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ) أي في خلاف (بَعِيدٍ) [٥٢] عن الحق ، يعني أعلموني من أضل منكم لإهلاككم أنفسكم بتكذيب القرآن ، فأوقع (مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) موقع منكم إظهارا لعلة ضلالتهم وتوبيخا لهم مع رجاء إسلامهم.
(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣))
(سَنُرِيهِمْ آياتِنا) أي علاماتنا الدالة على قدرتنا (فِي الْآفاقِ) أي في (٤) آفاق الأرض بقهر العرب والعجم ، وفتحها بنصر محمد عليهالسلام ومن آمن به وفتح القرى كالخلفاء من بعده (٥) ونصار دينه في آفاق الدنيا (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) بفتح مكة بسهولة (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ) أي القرآن أو الإسلام (الْحَقُّ) أي الصدق الذي لا يحيد عنه إلا مكابر عقله ، وقيل : سنريهم في الآفاق بامساك المطر والنبات ، وفي أنفسهم بالمصائب ومدخل الغذاء والماء ومخرجهما (٦) ، فان كلها يدل على أن الله واحد لا شريك له وإن محمد رسول الله ينطق بالوحي فيما يقول (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [٥٣] أي ألم يكف بربك (٧) شاهدا أن القرآن حق لأنه على كل شيء شهيد أو ألم يكفهم أن ربك لا يغيب عنه شيء ما فانه بدل من ربك.
(أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤))
(أَلا إِنَّهُمْ) أي اعلم يا محمد أنهم (فِي مِرْيَةٍ) أي في شك (مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) لأنهم ينكرون البعث (أَلا إِنَّهُ) أي اعلم أن ربك (بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) [٥٤] علما وقدرة فيعلم أعمالهم وأحوالهم فيجازيهم بكفرهم وبأعمالهم ، والإحاطة إدراك الشيء بكماله من الظاهر والباطن.
__________________
(١) إن ، ح : ـ وي.
(٢) «ونأى» : قرأ أبو جعفر وابن ذكوان بتقديم الألف على الهمزة على وزن جاء ، والباقون بتقديم الهمزة على الألف على وزن رآى. البدور الزاهرة ، ٢٨٥.
(٣) أخذه عن الكشاف ، ٥ / ٢٠٣.
(٤) في ، ح : ـ وي.
(٥) بعده ، ح و : بعدهم ، ي.
(٦) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٧) بربك ، ح : ربك ، وي.