ذكر (١) في مواضع من القرآن قصص الأولين في الهلاك كالمثل الذي يسار به لشهوته.
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١))
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أي المشركين (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ) في ملكه (الْعَلِيمُ) [٩] بخلقه ، فزاد الله تعالى وصفه في جوابهم ليأخذوا طريق الهدى ويتركوا طريق الضلالة فقال هو (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) وقرئ «مهادا» (٢) ، أي قرارا للخلق (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) أي طرقا (٣)(لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [١٠] أي إرادة أن تعرفوا طرقها من بلد إلى بلد بلا مشقة أو إرادة أن تعرفوا هذه النعم وتشكروا ربها ، ثم عطف على الذي جعل قوله (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ) زيادة تذكير النعم لهم ، أي هو الذي أنزل من السماء (ماءً بِقَدَرٍ) أي بمقدار الحاجة ولم يكن طوفانا ، ثم التفت من الغيبة إلى التكلم إظهارا لعظمة نفسه وافتقارهم إليه بما لا بد لهم في معيشتهم ليؤمنوا بوحدانيته ويقروا بالبعث بقوله (فَأَنْشَرْنا) أي أحيينا (بِهِ) أي (٤) بالمطر (بَلْدَةً مَيْتاً) أي يابسة لا نبات فيها (كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) [١١] من قبوركم ولا ينفعكم إنكاركم ثمه.
(وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢))
ثم زاد الوصف في ربوبيته لهم لرفع جهلهم به بقوله (وَ) هو (الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ) أي الأصناف (كُلَّها) من الحيوان والنبات وغير ذلك (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ) أي من السفن والإبل والدواب (ما تَرْكَبُونَ) [١٢] عليها.
(لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣))
(لِتَسْتَوُوا) أي لتثبتوا (عَلى ظُهُورِهِ) أي على ظهور ما تركبون (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ) عليكم بألسنتكم معترفين بها في قلوبكم معظمين لها (إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) أي على مركوبكم (وَتَقُولُوا) عند ذلك تحميدا وتنزيها (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ) أي ذلل (لَنا هذا) المركوب (وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) [١٣] أي مطيعين أو ضابطين.
(وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤))
(وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) [١٤] أي راجعون إليه في الآخرة ، قيل : وجه اتصاله بما قبله أن الركوب مباشرة أمر مخطر وسبب تلف فكان من حق الراكب أن لا ينسى يوم موته فيقول ذلك بقلبه ولسانه ليكون مستعدا للقاء ربه باصلاح نفسه (٥) ، روي عن النبي عليهالسلام : «انه قال بسم الله حين وضع رجله في الركاب ، فلما استوى على الدابة قال «الحمد لله سبحان الذي سخر لنا» الآية ، ثم حمد الله ثلاثا وكبر ثلاثا ، ثم قال : لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفرلي إن لا يغفر الذنوب إلا أنت» (٦) ، قيل : لا ينبغي للعاقل أن يركب تلذذا وتنزها (٧).
(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥))
(وَجَعَلُوا لَهُ) أي إنهم مع اعترافهم بخالق السموات والإرض حين سئلوا عنه قد جعلوا ، أي حكموا
__________________
(١) ذكر ، ح و : اذكر ، ي.
(٢) «مهدا» : قرأ الكوفيون بفتح الميم وإسكان الهاء ، وغيرهم بكسر الميم وفتح الهاء وألف بعدها. البدور الزاهرة ، ٢٨٨.
(٣) طرقا ، وي : طريقا ، ح.
(٤) أي ، وي : ـ ح.
(٥) اختصره المفسر من الكشاف ، ٥ / ٢٢١.
(٦) أخرجه الترمذي ، الدعوات ، ٤٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٩٤.
(٧) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.