(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧))
(رَبِّ السَّماواتِ) بالجر بدل من (رَبِّكَ) ، وبالرفع (١) ، أي هو رب السموات (وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) [٧] أي مؤمنين بتوحيد الله الذي يقرون بأنه رب السموات والأرض.
(لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩))
(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ) أي خالقكم ورازقكم (وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) [٨] أي خالقهم ورازقهم لا غيره (٢) مما تعبدون.
قوله (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) [٩] جواب لقوله (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) ، أي لا يوقنون حقيقة أن للسموات والأرض ربا بل هم في شك من القرآن وقيام الساعة يلعبون ، أي يستهزؤون بك يا محمد.
(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠))
قوله (فَارْتَقِبْ) نزل حين دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم على قريش فقال اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف عليهالسلام ، فاستجيب دعاؤه حتى هلكوا وأكلوا الميتة ، وكان واحدهم يرى كهيئة الدخان بين السماء والأرض من شدة الجوع ، فجاء أبو سفيان النبي عليهالسلام وقال يا محمد تأمر بصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع لهم ليكشف عنهم الجوع ، فأراد النبي عليهالسلام أن يدعو لهم ليكشف عن القحط ، فقال تعالى ارتقب ، أي انتظر يا محمد عذابهم (٣)(يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) [١٠] أي ظاهر لا شك فيه ، يعني القحط ، وسمي دخانا ليبس الأرض من النبات وارتفاع الغبار مشبها بالدخان ، وقيل : «هو دخان يأتي من السماء قبل يوم القيامة يدخل في أسماع الكفرة حتى يكون رأس أحدهم كرأس الحنيذ» (٤) ، وقيل : «ينتفخ الكافر حتى يصير كالجمل فيأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام» (٥).
(يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣))
(يَغْشَى النَّاسَ) أي يشمل أهل مكة الدخان فاذا أغشيهم قالوا (هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) [١١] مشيرين إلى الجوع (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ) أي الجوع أو دخان العذاب (إِنَّا مُؤْمِنُونَ) [١٢] أي نؤمن أن كشف عنا العذاب وهو موعدة منهم بالإيمان فيقال لهم حينئذ (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) أي كيف يتذكرون الإيمان ويفون (٦) بما وعدوا عند نزول العذاب ، يعني لا ينفعهم تذكرهم شيئا (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) [١٣] أي مظهر ما يوجب الأذكار من الآيات والمعجزات فلم تذكروا ، وهو أعظم في وجوب الإيمان من كشف الدخان.
(ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤))
(ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ) أي أعرضوا عما جاء به فلم يصدقوه (وَقالُوا) للرسل (مُعَلَّمٌ) أي (٧) يعلمه القرآن غيره كجبر ويسار و (٨) (مَجْنُونٌ) [١٤] لا اعتبار لقوله ، يعني (٩) بهتوه بتعليم غيره إياه ونسبوه إلى الجنون.
(إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥))
قوله (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ) خطاب لأهل مكة ، أي إنا كنا نكشف العذاب الذي هو الجوع عنكم زمانا (قَلِيلاً) ثم (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) [١٥] أي تعودون إلى شرككم لا تلبثون عقيب الكشف ، فكشف الجوع عن قريش
__________________
(١) «رب السموات» : قرأ الكوفيون بجر الباء ، وغيرهم برفعها. البدور الزاهرة ، ٢٩١.
(٢) لا غيره ، وي : لا غير ، ح.
(٣) أخذه عن البغوي ، ٥ / ١١٢.
(٤) عن علي ابن أبي طالب ، انظر الكشاف ، ٥ / ٢٣٧.
(٥) عن علي رضي الله عنه ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢١٧.
(٦) ويفون ، وي : ويقولون ، ح.
(٧) أي ، ح : ـ وي.
(٨) و ، وي : ـ ح.
(٩) يعني ، وي : ـ ح.