وقيل : الأثارة ؛ والأثرة ـ بإسكان الثاء ـ والأثرة ـ بفتحها ـ معناها : الرّواية من العلماء ، يقال : فلان يأثر الحديث عن فلان ، ومنه قوله تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ)(١) ، والعلم المأثور هو المروي.
قوله تعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ؛) أي أبعد ذهابا عن الصّواب ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب دعاء ولو دعاه ، (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) يعني الأصنام ، (وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) (٥) أي عن دعاء من دعاها ؛ لأنّها جماد لا تسمع ولا تبصر.
قوله تعالى : (وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) (٦) معناه : وإذا جمع الناس يوم القيامة صارت الأصنام أعداء لمن عبدها في الدّنيا ، كما قال تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ)(٢) ، وقال : (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ)(٣).
وقوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧) ؛ ويقولون : إنّ محمّدا أتى به من نفسه ، وهو قوله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) ؛ أي لا يقدرون أن يردّوا عنّي عذابه ، فكيف أفتري على الله لأجلكم وأنتم لا تقدرون على دفع عقابه عنّي إن افتريت عليه شيئا؟ وهو قوله تعالى : (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) ؛ أي الله أعلم بما تقولون في القرآن وتخوضون فيه من التّكذيب به والقول فيه إنه سحر وكهانة ، (كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) ؛ أي القرآن جاء من عند الله ، (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٨) ؛ في تأخير العذاب عنكم حين لم يعجّل عليكم بالعقوبة.
قال الزجّاج : (هذا دعاء لهم ؛ أي التّوبة ، معناه : أنّ من أتى من الكبائر بمثل ما أتيتم به من الافتراء على الله ثمّ تاب ، فالله غفور رحيم ؛ أي غفور له رحيم به) (٤).
__________________
(١) المدثر / ٢٤.
(٢) فاطر / ١٤.
(٣) القصص / ٦٣.
(٤) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ج ٤ ص ٣٣٤ ، والعبارة هنا أتم.