قصة موسى عليهالسلام
٧٧ ـ قصة سيدنا موسى ذكرت فى القرآن الكريم كثيرا ؛ لأنه هو الذى نزلت عليه التوراة ، وفيها المبادئ المقررة فى الشرائع السماوية ، وكثير من أحكام المعاملات فيها لم ينسخ ، بل جلها صدق عليه القرآن الكريم ، كما وصفه الله تعالى إذ قال سبحانه : (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) [آل عمران : ٥٠] ، ولأنها تبين أحوال اليهود ، ولأن فيها أوصافهم الحقيقية من الشك والتردد فى الحق ، وخذلانه ، وما وسموا به من خنوع وخضوع إلى آخر ما ذكره القرآن عنهم ، وكل ذكر لهم يجيء معه ذكر لنبى من الأنبياء ، ففيهم تجارب الإنسانية الفاسدة ، وحالهم فى هذه الأيام هى امتداد لما ذكره القرآن من أوصافهم.
وإن المتتبع لقصة سيدنا موسى فى القرآن يجدها متعددة العبر ، فى جهاده وفى قومه ، وفيما لقيه ، وهو من أولى العزم من الرسل الذين جاهدوا فى الله حق جهاده ، ففي كل واقعة من وقائع حياته عبرة. ولا تكرار بالقدر الذى يتوهمه التالى للقرآن أو المستمع لتلاوته ، ولنقبس قبسات من ميلاده إلى جلاده مع فرعون الطاغية الذى كان من أغنى ملوك العالمين ، وأشدهم طغيانا ، ولسنا نحصى كل المواضع بل نذكر ما يتوهم فيه التكرار من قصد لجديد.
(أ) أول ما نتجه إليه هو ميلاده ؛ وما أحيط به من خوارق العادات فقد قال تعالى فى سورة القصص : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (٨) وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩) وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١) وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١٣) [القصص : ٧ ـ ١٣].
وفى هذه القصة نجد عدة خوارق للعادات اقترنت بنبى الله موسى عليهالسلام فى نشأته. فقد ولد ، فخافت عليه أمه ، إذ إن فرعون اللعين الذى يعد أستاذا لكل طاغية فى الأرض ، كان يرهق بنى إسرائيل ، يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم لكيلا تكون منهم فى القابل قوة تناوئ حكمه ، وترد طغيانه ، ولكن الله تعالى ألهم نفس أمه الصافية ، أن تصنع له تابوتا ، وتلقى فيه فلذة كبدها ، وتدفعه إلى البحر ، فكان الوحى