استمرت المجاوبة بين الحق والباطل ، فى داخل الشعب المصرى وبين آل فرعون والمؤمن ، ولعله ـ والعلم لله وحده ـ أن الذين آمنوا من آل فرعون وأهل مصر عدد قليل كالذين آمنوا بمحمد من بعد قد كانوا عددا قليلا ، ومن الضعفاء ، فكان لا بد من هجرة موسى من مصر ، كما هاجر محمد من مكة إلى المدينة ، وكان معه الذين اتبعوه بإحسان ، ونالهم ما نالهم من الأذى.
خروج بنى إسرائيل وموسى من مصر :
٨٠ ـ كان أتباع موسى عليهالسلام من بنى إسرائيل الذى جاء لاستنقاذهم وبعث للدعوة إلى الوحدانية أولا ، واستنقاذ المظلومين من الظالمين ثانيا ، فكان لا بد من الهجرة ، ومن أراد أن يلحق بهم من المصريين.
لقد جاء الأمر بالهجرة وأن تكون ليلا ، كما كانت هجرة محمد عليهالسلام خفية ، وقد ساق سبحانه وتعالى قبل الخروج قصة الدعوة الموسوية ، وما لاقته من فرعون وشيعته ؛ ليتبين أنه لا أمل فى إيمان غير الذين آمنوا من قبل ، لذلك جاء الأمر بالهجرة كما جاء بعد ذلك الأمر بالهجرة لمحمد صلىاللهعليهوسلم قال الله تعالى فى ذلك : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) (٦٤) [الشعراء : ٥٢ ـ ٦٤].
انتهى أمر فرعون بهذا الإغراق ، ولكنه لما أوشك على الغرق جاء إليه الإيمان متأخرا ، فكانت المعجزة أن الله أبقاه مثلا للآخرين ، وإن الله سبحانه يقول مفصلا مهلكه من غير تكرار ، وإن ذكر المقدمات مفصلا ، قال سبحانه : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) (٩٢) [يونس : ٩٠ ـ ٩٢].
انتهى فرعون ، ونلاحظ هنا ثلاث ملاحظات :
أولاها : أن فرعون كان دائما يذكر جنوده على أنهم الذين يوالونه فى طغيانه ، ويمالئونه فى عدوانه ، وينصرونه ، والشعب لا يذكر فى مقام المناصرة لفرعون.