بعض العبارات أو المعانى تكررت ، فإن ذلك لبيان المقصد الأصلى من الجزء ، فمثلا رأينا فى لقاء موسى لفرعون أنه ذكرت عبارات النعم وهو رضيع ، وكيف سهل الله سبيل العيش الرغيد ، ليبين له سبحانه أنه معه فى لقاء فرعون ، كما كان مع أمه فى إلقائه فى اليم ، ليلقى فرعون وهو رابط الجأش ، وهكذا نجد تكرار بعض المعانى ، لأنها ذكرت فى موضعها الأول مقصودة ، وذكرت فى موضعها الثانى تمهيدا لقصده ، وتثبيتا لمغزاه ، فالتكرار لم يكن لمجرد التكرار ، بل هو تجديد للمعانى ، ليس ترديدا ، والفرق بين التجديد ومجرد الترديد أن الترديد يكون تكرارا لا غاية لها ، أو يكون لمجرد التوكيد ، أما التجديد فى تكرار اللفظ فإنه يكون لغاية بعده لا تتم إلا به.
موسى مع بنى إسرائيل
٨١ ـ لقد قسمت قصة موسى فى القرآن إلى قسمين : أحدهما ما كان وهو فى مصر يجاهد فرعون ويجالده ، وقد أشرنا فيه إلى أنه لم يكن تكرارا إلا لتجديد الأمر ، إذ يكون تمهيدا للمقصد من الجزء لا يتم البيان إلا به ، أو هو مقدمة يتلوها الجزء الذى سيق له القول ، وكان لقصد غير الأول.
أما القسم الثانى فهو ما كان بعد الهجرة إلى الطور ، وصار موسى مع بنى إسرائيل ، وقد خلصوا من فرعون وجنده ، وفى هذا القسم تلقى الألواح وعلم التوراة ، ولاقى المرارة فيها من بنى إسرائيل وضعفهم وتقليدهم كما لاقى من قبل الجهاد مع فرعون.
وفى قصة بنى إسرائيل مع موسى عليهالسلام يتبين ما يكون عليه قوم قد مردوا على الخنوع ، وضعفت فيهم النفوس ، واستمرءوا الهون من الحياة ، ورضوا بالمكان الدون واستقروا فيه (١).
انتقل بهم موسى عليهالسلام إلى الطور ، فأرسل الله لهم السلوى والمن طعاما ، وأظل الله تعالى عليهم بالغمام حتى لا تلفحهم شمس الصحراء ، ثم توالت عليهم النعم ، وتوالت خوارق العادات ، ولقد ذكرت الآيات القرآنية فى أول سورة البقرة بعض أخبارهم ، فقال تعالى :
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨) وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ
__________________
(١) هو تفضيل نسبى. وليس تفضيلا ذاتيا ؛ وذلك لأن الله اختارهم بقيادة موسى لمقاومة فرعون ، ولأنه فضلهم واختار بعض الأنبياء منهم ، وقد عصوا فأنكروا نعمة الله فاستحقوا سخطه.