وإن الله تعالى يأمرهم بيوم السبت لكى يكون لهم راحة واستجماما ، وأن يبتعدوا فيه عن المادة ويعكفوا على أنفسهم يهذبونها ويفطمونها عن دواعى المادة ، فيذهب شرههم المادى ، ورغبتهم فى طلب المادة إلى أن يعملوا فيه شرها وطمعا فيمسخ الله تعالى نفوسهم قردة تنزو مثلها ، وخنازير تطلب الخسائس طلبها.
«إن الله تعالى يختبرهم فى إيمانهم بأن يذبحوا بقرة ، ولكنهم تأثرا بالمصريين وما كانوا عليه من عبادة العجل ، يترددون فى ذبح البقرة فيجادلون فى ذبحها متجاهلين أمرها ، ولو أتوا إلى أى بقرة فذبحوها لكان فى ذلك الاستجابة الكاملة ، ولكنهم يثيرون الريب حول الطلب ، سألوا عن حقيقتها ، وعن كونها صغيرة أو كبيرة ، فأجيبوا ، ثم سألوا عن لونها ، فأجيبوا ، ثم سألوا عن كونها متخذة معلوفة للنماء والتوالد ، أم هى ذلول عاملة ، فذبحوها وما كادوا يفعلون تقليدا للمصريين وتأثرا بأفكارهم ، وأوهامهم فى دينهم».
هذه قصة بنى إسرائيل فى تلقيهم لأوامر الله تعالى ، وما جاء القرآن خاصا بهم فى عهد موسى عليه الصلاة والسلام فهو لمقاصد أخرى من أجزاء القصة كما ذكرنا فى قصة موسى ذاته.
بنو إسرائيل والأرض المقدسة
٨٢ ـ لم يكن بنو إسرائيل فى عهد موسى إلا قوما أذلهم الخضوع وضربت عليهم الذلة ، وأرمضتهم الطاعة الذليلة التى كانت رقا أو ما يشبهه ، وقد بدا ضعف نفوسهم فى عهد موسى ، فقد أراد أن يدخل بهم الأرض المقدسة ، فضعفوا ووهنوا ، وتلمسوا لأنفسهم المعاذير ، وما هى إلا معاذير المستكين المؤثر للاستكانة ، والرضا من الحياة بأدناها.
طلب منهم موسى أن يدخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لهم أن يدخلوها ، ولنسمع إلى كتاب الله تعالى يحكى حالهم من الجبن والخنوع والذل.
قال الله تعالى وهو أصدق القائلين : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠) يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤) قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي