التصريف البيانى فى قصص القرآن :
ذكر الله تعالى الحقائق الإسلامية فى القصص ، فلم يكن عبرة فقط بل كان بيانا لحقائق الإسلام ، فتجد فيه بيانا لعقيدة التوحيد ، والبرهان عليها جاء فى سياق القصص عن النبيين السابقين. فقد رأيت فى قصص سيدنا إبراهيم عليهالسلام ، كيف كانت الدعوة إلى التوحيد ، وكيف أبطل عبادة الأوثان بأنها لا تضر ولا تنفع ، وأنه جعلها جذاذا إلا كبيرا لهم ، وأنهم أرادوا عقوبته بالحرق بالنار ، فجعلها الله تعالى بردا وسلاما على إبراهيم.
واقرأ بعض القصص عن سيدنا نوح الأب الثانى للبشر ، ترى الأدلة على التوحيد بأن نجد فى بعضها أدلة التوحيد تساق للضالين ، ويوجه أنظارهم إلى الكون وما فيه فقد قال تعالى :
(قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢) أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (٣) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤) قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (٦) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (٩) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (١٢) ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (١٤) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (١٦) وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (١٨) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) (٢٠) [نوح : ٢ ـ ٢٠].
ألم تر فى هذه النصوص السامية تسلية واضحة للنبى صلىاللهعليهوسلم ، إذ فيها بيان ما لقيه نوح ، وكيف كانت الأدلة القاطعة لا تزيدهم إلا نفورا من الحق وفرارا من اتباعه ، وإصرارا على الباطل ، وفى كل ذلك عزاء للنبى صلىاللهعليهوسلم لئلا تذهب نفسه حسرات على كفر الكافرين وجحودهم بعد الأدلة القاطعة.
ومع هذا العزاء الروحى ، والعبرة التى تريح الدعاة إلى الحق ، نجد فى السياق البرهنة على التوحيد ، وأن الله تعالى وحده هو الخالق وأنه بالتالى المستحق للعبادة وحده ، فلا معبود سواه.
وسوق الأدلة على التوحيد فى سياق قصة ، يجعله يسرى إلى النفس من غير مقاومة ، وتكراره يجعله يخط فى النفس خطوطا ، وتتعمق الخطوط فيكون الإيمان.