مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧) وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٥٠) [المائدة : ٤٢ ـ ٥٠].
وترى من هذا النص الكريم بيانا للأحكام الشرعية الخاصة بالقصاص فى تفصيل محكم مستقر مقنع. فهو يجعل القصاص فى الأطراف ، كما هو ثابت فى النفس ، بل إنه يثبت القصاص فى الجروح ، ويوثق الأحكام بأنها نفذت فى الإنجيل إذ جاء الإنجيل مصدقا لما بين يديه من التوراة ويوثقها بأن القرآن مصدق لما جاء فى التوراة ، ولكن له هيمنة ، وسلطان ، يبقى ما يبقى ، وينسخ ما ينسخ ، وما يثبت أنه نسخ من أحكامها ، فهو منسوخ ، لأن له الهيمنة الكاملة.
وفى القصاص الشريعة باقية. وفى التوراة كما هو فى القرآن جواز العفو عن القصاص ، إذ يقول سبحانه : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) والقصاص ثبت بالقرآن ، فالله تعالى يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١٧٩) [البقرة : ١٧٨ ، ١٧٩].
وهكذا نجد ذكر الأحكام الثابتة التى لم يعترها تغيير ونسخ بطريق القصص نوع من تصريف البيان وتثبيت الأحكام.
أسلوب القصص فى القرآن
٨٨ ـ قد ذكرنا فى القول السابق ما يختص به أسلوب القرآن من صور بيانية فى ألفاظه ، فكل لفظ يعطى صورة بيانية ، يناسب المقام الذى ذكر فيه ، ويتجمع من الأسلوب صورة بيانية تكون الصور اللفظية أجزاء فيها ، وإن كان لها صفة الاستقلال ، ومن المجموع تتكون صور تصور المعانى ويكون لها أطياف فى اجتماعها وانفرادها.