باختلاف نغمها ما لا تؤديه مثيلاتها مما هو فى موضوعها ، وإن النغمات القرآنية التى تتخالف أحيانا تكون كل نغمة فى مقامها تومئ بموسيقاها إلى إشارة لا تومئ إليها نغمة أخرى لآية فى هذا الموضوع نفسه.
ولنضرب فى ذلك بعض الأمثال فى الاختلاف فى الأسلوب ، والموضوع واحد ، وتغير المعانى قوة ورفقا ، وكل فيما يناسبه.
الاستفهام والنفى
٩٣ ـ لا شك أن النفى المجرد والنفى بطريق الاستفهام ، كلاهما يدل على أصل النفى ، ولكن النفى بطريق الاستفهام أقوى دلالة فى معنى النفى ؛ لأن النفى بالاستفهام فيه معنى أن المخاطب سبق إلى النفى ، فكان النفى من القائل ، والإقرار به من المخاطب ، اقرأ قوله تعالى فى ادعاء المشركين أن الله تعالى حرم بعض الأطعمة ، فنفى الله سبحانه وتعالى ذلك بقوله : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (١٥٠)
[الأنعام : ١٤٨ ـ ١٥٠].
ألا ترى أن هذا الاستفهام للنفى ، إذ المعنى الجملى : ما عندكم من علم بأن الله تعالى حرم عليكم ، إن أنتم إلا تخرصون. تتوهمون ما ليس له حقيقة واقعة.
ولا شك أن المجيء بصورة استفهام فيه مزيتان إحداهما تنبيه إلى أنه كان يجب عليهم قبل أن يعتقدوا أن يتعرفوا الدليل الذى يسوغ لهم العلم حتى لا يقولوا على الله ما لا يعلمون. والثانية : أن فى الاستفهام حملا لهم على أن يقروا بالنفى ، وفوق ذلك كله فإن سياق الكلام فيه توبيخ لهم لأنهم بنوا عقائدهم على أمور باطلة ، لا أساس لها من حق ولا علم ، وأن هذا نوع من الاستفهام الذى يراد به النفى يعبر عنه علماء البلاغة بأنه استفهام إنكارى ؛ لإنكار وقوع موضع الإنكار ، وهناك إنكار يقال له إنكار الواقع ، وهو يكون فى معنى التوبيخ على ما وقع على أنه لا أصل له.
اقرأ قوله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف : ٣٢] ، وهذا إنكار لما وقع منهم ، وإنكار الواقع توبيخ ؛ ذلك لأن المشركين كانوا يوجبون الطواف عراة ، وكانوا يحرمون البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، والله سبحانه وتعالى نفى ذلك التحريم الواقع منهم بهذه الصيغة (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي