بالدليل ، وهو الإقرار سلطان الأدلة ، والاستفهام كان موضع الاستفهام الأول ، وهو قوله تعالى : (إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ) وهو استفهام فى معنى النفى ، فهو إنكارى ، أى أنه لا إله غير الله يأتيكم ، فهو يتضمن مع النفى إقرارا من السامعين بأنه لا إله غيره ، وإثارة العجب ممن لا يقرون بهذه الحقيقة فهى موضع البرهان ، وقد تضمن النص الكريم استفهاما ثالثا لتوجيه النظر إلى ما يصرفه القرآن من أدلة مختلفة ، وذلك الاستفهام توجيهى تنبيهى تقريرى ، وهو قوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) فقوله كيف نصرف الآيات فيه توجيه النظر إلى تصريفه للآيات ، وجاء بصيغة الاستفهام لتصوير التصريف فى الآيات التى أنزلها الله تعالى ، أو كانت فى الكون ، وما كان ذلك التصور لها ليتحقق إذا لم تكن الدعوة إلى النظر ، ثم الاستفهام الذى يأخذ النظر ليضعه على ذلك التصريف ، ثم كان الاستفهام متضمنا معنى الاستنكار لحالهم ، إذ إنهم مع تصريف الآيات وجعلها فى صورها جديدة تسترعى الالتفات والاتجاه إلى إدراكها والتنبه لها ، ومع ذلك ـ لكثرة جحودهم ولجاجة الباطل فى نفوسهم ـ يعرضون ، ولا تستولى على نفوسهم ، كشأن الفكرة المجددة ، فإنها تسترعى الأفهام وتأخذ بالألباب ، ولكنهم عموا ، فلا يجديهم تصريف ، ولا يأخذ بألبابهم تجديد الأسلوب لأنهم معرضون ، إنك لا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين.
وفى النص استفهام تقريرى على منهاج لا يعرف إلا فى القرآن ، فإنى لم أقرأ كثيرا فى غير القرآن ذلك المنهاج الاستفهامى إذ يقول سبحانه : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) (٤٧) [الأنعام : ٤٧] فالتعبير فى الاستفهام ـ أرأيتكم ـ ليس مشهورا فى الأساليب العربية ، ونجد هنا الخطاب تكرر فيه ، فالتاء المفتوحة خطاب ، والكاف خطاب ، والتاء خطاب للمفرد ، والكاف خطاب للجمع ، والتاء متجهة إلى مخاطبة النبى صلىاللهعليهوسلم ، والكاف متجهة إلى خطاب الجمع ، فاجتمع خطاب النبى صلىاللهعليهوسلم ، وخطاب الجماعة ؛ وذلك لأن فى الاستفهام تقريرا لرؤية النبى صلىاللهعليهوسلم وتقريرا لرؤية كل المخاطبين بالقرآن الكريم ، وكان لا بد لاجتماع الخطابين ، خطاب النبى صلىاللهعليهوسلم ليقرر الواقع وهو علمه عليهالسلام ، وتقرير الحقيقة الثابتة للناس أجمعين ، وهى أن عذاب الله الذى يجيء بغتة فى خفاء ، أو جهرة فى وضح النهار لا يهلك إلا القوم الظالمون ؛ فهو جاء لأجلهم منصبا عليهم ، وهنا أمران يجب التنبيه إليهما.
أولهما : أن الزمخشرى ، ومن حاكاه ، كالبيضاوى وغيره قالوا : إن الكاف حرف لتأكيد الخطاب لا موضع لها من الإعراب فهى ليست ضميرا ، ولكنها من الحروف التى تبنى على غير محل من الإعراب ، وحجتهم أن رأى استوفت المفعولين من غير تقدير