فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) (٢٦) [البقرة : ٢٦].
وبعد : فإن القرآن غذاء الأرواح ، ومائدة الله للنفوس مختلف ألوانها ، وكلها طيب الثمرات ، نفعنا الله به وجعله درعنا فى الأحداث التى تنزل بنا ، نأوى عنده ونركن إليه ، ولا نعشو إلا إلى ضوئه.
الاستعارة
١١١ ـ الاستعارة ضرب من ضروب التشبيه وتكون العلاقة بين المعنى الأصلى للفظ بالوضع الأصلى والمعنى فى الاستعمال المجازى المشابهة ، فإذا قال القائل عن رجل شجاع معبرا عنه بكلمة الأسد ، أو قال عن رجل خطيب شجاع أنه على بن أبى طالب فإن العلاقة تكون فى الأول الشجاعة التى يضرب بالأسد المثل فيها ، وفى الثانى الشجاعة والخطابة.
وعلى ذلك يكون بين التشبيه والاستعارة اتصال. وإن شئت فقل : إنها طريق من طرق التشبيه ، أو هى تشبيه فيه مبالغة فإن المشبه يدعى فيها أنه فرد من أفراد المشبه به ، ولذلك لا بد فيها من أمرين : أولهما ألا تكون ثمة أداة تشبيه كالكاف أو الاستعمال أو أن يكون المشبه محمولا عليه والمشبه محمولا مثلا ، وألا يكون المشبه مذكورا بأى صورة من الصور ، وثانيهما ـ أن يكون اللفظ الدال على المشبه به لفظا عاما كاسم جنس ، لكن يدخل المشبه فى عموم أفراده بمظهر اللفظ ، كأن يقول تقدم للأعداء أسد له لبد ، فانتقم الله تعالى به منهم ، فإن قرينة القول تدل على أنه إنسان ، وكأنك ادعيت أن من أفراد الأسد ذلك الرجل الشجاع الذى أطلقت عليه اسم الأسد.
وقد عرف أبو الحسن الرمانى الاستعارة ، فقال : وهى تعليق العبارة على غير ما وضعت له فى أصل اللغة على جهة النقل للإبانة ، وهذا التعريف هو فى معنى ما ذكرنا. غير أنه أشار إلى أن الاستعارة نقل اللفظ من المعنى الذى وضع له إلى معنى آخر لعلاقة المشابهة بين المعنيين. وهو فى المعنى ادعاء أن لفظ المشبه به اتسع حتى صار عاما ، فدخل فى عمومه المشبه ، ويفرق بين المعنى بالوضع الأول والمعنى بالوضع الثانى بالقرينة ، فهى مانعة من إرادة المعنى بالوضع الأصلى.
والاستعارات فى ألفاظ القرآن كثيرة منها قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما