الآذان ، لأنه إذا ضرب عليها دل على عدم الإحساس من كل جارحة يصح بها الإدراك ولأن الآذان كانت طريقهم إلى الانتباه ، فلما ضربوا عليها لم يكن سبيل إليه.
ومؤدى هذا الكلام أن الضرب على الآذان يفيد فقد الإحساس المطلق بعمل الله ، وهو غير الضرب على الأبصار ، لأن عدم الأبصار لا يقتضى فقد الإحساس إذ قد يكون غير مبصر بإغماض ، ولكن الإسماع لا يفقده مع بقاء الآلة سليمة إلا بفقد الإحساس ، فإذا كان الله تعالى قد ضرب على آذانهم ، مع بقاء الآذان سليمة ، فإن ذلك لا يكون إلا بفقد الإحساس ، والله على كل شىء قدير.
المجاز والكناية
١١٤ ـ المجاز يعم الاستعارة وغيرها من أنواع المجاز ، إذ إن المجاز معناه أن ينقل اللفظ من دلالته على المعنى الذى وضع له إلى معنى آخر ، لعلاقة بينهما ، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلى ، مثل قوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) (١٨) [العلق : ١٧ ، ١٨].
فإن المكان لا يدعى إنما يدعى من يحلون فى هذا المكان ، والقرينة الاستحالة ، والعلاقة هى المحلية ، أطلق المحل وأريد الحال ، ومثل قوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) [البقرة : ١٩].
والآذان لا تدخلها كل الأصابع ، وإنما أريد بعضها ، والعلاقة هى الجزئية أطلق اسم الكل وأريد الجزء ، وهكذا.
وتختص الاستعارة من بين أنواع المجاز بأنها مجاز علاقته المشابهة بين المعنى الأصلى ، والمعنى الذى نقل اللفظ إليه ، وقد كان التقسيم المنطقى يوجب أن نتكلم فى استعارات القرآن بعد الكلام فى المجاز ذاته ، لأن الكلام فى العام يسبق الكلام فى الخاص ، إذ إن العام جزء من الخاص ، والخاص جزئى والعام كلى ، ومن المقررات المنطقية أن كل عام جزء لجزئيه ، ويضربون ذلك مثلا بالحيوان والإنسان ، فالإنسان حيوان ناطق ، فيتكون من جزءين جزء هو الحيوانية ، والثانى النطق بمعنى العقل والإدراك ووزن الأمور ، فالحيوان وهو الكلى جزء من الإنسان ، وهو النوع الجزئى.
ولكن عدلنا عن منطق التقسيم فى التصنيف إلى تقديم الجزئى على الكلى أو إلى تقديم الاستعارة على عموم المجاز ؛ لأن الاستعارة من حيث إن العلاقة فيها المشابهة كانت ضربا من ضروب التشبيه دخل فيه المشبه فى عموم المشبه به فكانت المناسبة بينها وبين ما سبقها من تشبيه أقوى من دخولها فى عموم المجاز.