وتفيد مع ذلك بطريق الإشارة ، والنتائج التى تكون ثمرة لهذا النص أو طريقا لتنفيذها :
أولا : أنه لا بد أن يكون اختيار الحاكم أو الخليفة برضا المسلمين فلا تصح الخلافة إلا باختيار المسلمين ورضاهم ، ولذلك كانت البيعة فى الإسلام.
وتفيد ثانيا : أنه لا ينفذ حكم أو قانون إلا إذا أقرته جماعة المسلمين ، أو الصفوة المختارة منهم.
وتفيد ثالثا : أنه لا بد من وجود جماعة مختارة من الشعب اختيارا أساسه الحرية والرضا ، يكون عملها مراقبة الحكام ، والنظر بعين فاحصة فى أعمالهم ، وألا يسن قانون إلا برأيهم ، فكل هذه لوازم لتحقيق معنى الشورى وتنفيذه.
وتفيد رابعا : أن الأعمال الفنية كقيادة الحرب والصناعة ، تكون تحت رقابة على القائمين بها من صفوة مختارة منهم ، يكون عملها التوجيه.
وهكذا تثبت هذه الأمور كنتائج لتنفيذ الأمر بالشورى.
وإن دلالة العبارات التى يمكن معرفتها بالسنة واللغة هى المفاتيح لما تومئ إليه ، فلا يمكن أن تعرف أسرار القرآن الكريم إلا إذا عرفت المعانى الأولى ، وإن معرفة ما تومئ إليه ألفاظ القرآن من إشارات لا يكون إلا بعد الدخول إلى الساحة العليا ، والارتفاع بالعقل إلى المدركات الإنسانية ، ولذلك يقول الغزالى رضى الله عنه : «إن معرفة السنة واللغة هى المفتاح الذى يدخل منه العالم إلى علوم القرآن ، وفيه علم كل شىء يتعلق بالشرائع والنفس الإنسانية ، وعلاج أدوائها ، واليوم الآخر ، وما أخبرنا به العزيز الحكيم علام الغيوب».
٤ ـ نظم القرآن وفواصله
١١٩ ـ تكلمنا فى ماضى قولنا فى وصف عام لبلاغة القرآن وتكلمنا فى ألفاظه ، وبينا بشواهد الآيات أن كل كلمة لها صورة بيانية فى السياق الذى سيقت له ، ثم تكلمنا عن الأسلوب ، وذكرنا مستشهدين بالآيات البينات أن كل كلمة لقف مع أختها ، ويتكون من مجموع الكلمات المتلائمة المتآخية صورة كاملة للبيان تعطيك صورة بيانية ، كل كلمة تعطيك جزءا منها ، مع كونها فى ذاتها صورة بيانية وحدها ، وضربنا لك الأمثال.
ثم تكلمنا من بعد على تصريف البيان القرآنى ، فبيّنّا كيف كان التصرف فى الاستدلال على وحدانية الديان ، وبطلان عبادة الأوثان ، وكيف كان التنويع فى البراهين التى يسوقها ، والتى تعلو فى دقة الحكم على الأدلة الخطابية ، وتعلو فى النسق البيانى ، والنغم الموسيقى عن البرهان المنطقى. مع اشتمالها على أدق معناه ، وإن غاير الأشكال.