فالله تعالى علم نبيه صلىاللهعليهوسلم ، وهو صلىاللهعليهوسلم علم أمته ذلك الترتيل ، وليس الترتيل مجرد القراءة ، إنما الترتيل قراءة منغمة تنغيما يظهر التناسق فى الحروف والجمل والآيات ويكشف معانيها ، ونغماتها ، وتلك هى موسيقى القرآن.
الفائدة الثانية : التى يفيدها أن إعجاز القرآن لغير العرب هو بنغمه وجرسه الموسيقى ، فإن الموسيقى لغة الإنسانية ، وتهتز لها كل القلوب ، ونحن نوافقه فى اتجاهه إلى أن القرآن معجز العرب وغيرهم ، ولكن لا نقصر إعجاز غير العرب على الموسيقى وحدها ، بل نقول : إن ذات العبارات ، وشرائعه ، والعلم المبثوث فيه ، وكونه من أمى لا يقرأ ولا يكتب ، وقد نشأ فى بلد أمى ليس فيه معهد ولا مدرسة ـ هذا كله فيه الدلالة على أنه من عند الله تعالى.
٥ ـ الإيجاز والإطناب فى القرآن
١٢٨ ـ إن القسمة العقلية للكلام كثرة وقلة بالنسبة لمعناه تحصره فى أربعة أقسام :
أولها : الإيجاز بأن تكون الألفاظ قليلة والمعانى كثيرة.
وثانيها : التقصير بأن تكون الألفاظ غير كافية للدلالة على المعانى.
وثالثها : الإطناب بأن تكون المعانى كثيرة ، والألفاظ كثيرة لا حشو فيها.
ورابعها : التطويل ، وهو أن تكون الألفاظ كثيرة وفيها ما لا حاجة إليه. وهذه الأقسام الأربعة من الناحية البلاغية متقابلة ، فالإيجاز والتقصير متقابلان ، وأولهما باب من أبواب البلاغة ، وثانيهما عىّ فى القول ، ونقص فى البيان ، والإطناب والتطويل متقابلان ، وأولهما بلاغة وحسن أداء ، وثانيهما عىّ وعيب فى البيان ، يدفع إلى الملل والسآمة ، حتى يتبرم به السامع.
وقد ذكر الرمانى هذه الأقسام المتقابلة ، كل مع ما يقابله ، فقال : «والإيجاز بلاغة والتقصير عىّ ، كما أن الإطناب بلاغة والتطويل عىّ ، والإيجاز لا إخلال فيه بالمعنى المدلول عليه ، وليس كذلك التقصير ، لأنه لا بد فيه من الإخلال ، فأما الإطناب فإنما يكون فى تفصيل المعنى ، وما يتعلق به فى المواضع التى يحسن فيها ذكر التفصيل ، فإن لكل واحد من الإيجاز والإطناب موضعا ، يكون به أولى من الآخر ، لأن الحاجة إليه أشد ، والاهتمام به أعظم ، فأما التطويل ، فعيب وعىّ ؛ لأنه تكلف فيه الكثير فيما يكفى منه القليل ، فكان كالسالك طريقا بعيدا ، جهلا منه بالطريق القريب ، وأما الإطناب فليس كذلك ، لأنه كمن سلك طريقا بعيدا لما فيه من النزهة الكثيرة ،