٣ ـ وقوله تعالى : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (٥٢) [المؤمنون : ٥٢] فإن هذه الآية تبين وحدة الأمة الإسلامية مع غيرها بأوجز عبارة ، فتشمل الوحدة الأبيض والأسود ، والأحمر والأصفر ، والبادى والحضرى ، وسكان الوبر ، وسكان المدن ، لا تفرقهم الألوان ولا الألسنة ، وأن التقوى يجب أن تكون لباسهم وشعارهم ، وهى التى تعلى ، ومثل ذلك قوله تعالى فى إيجاز : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات : ١٠].
٤ ـ ومنها قوله تعالى : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [يوسف : ٥٣] فهى فى إيجازها اعتذار عما كان من امرأة العزيز ليوسف عليهالسلام وإنها لأحداث كثيرة ، فوق ما فيه من دلالة على معان نفسية تكون فى الوجدان الذى تحكمه شهوات ، الضمير اللائم ، المحاسب الذى يصوره قول الله تعالى : (بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ).
٥ ـ ومنها قوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) [النمل : ١٤] فإن هذا النص السامى بكلماته القليلة الموجزة فيه تصوير لحال المشركين الذين ألزمتهم الحجة ولكن لم يذعنوا عصبية وعنادا ، ومحافظة على سيطرتهم الغاشمة.
٦ ـ ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (٩٥) [الحجر : ٩٥] وفى هذا النص إيجاز فيه ألفاظ قليلة ومعان كثيرة بمقدار جرائم المشركين فى الاستهزاء بالنبى وأصحابه ، ومضايقتهم فى العبادة ، ومنه الطواف بالبيت ، فقد كانوا كلما لقوهم سخروا منهم ، فمعنى كفيناك المستهزئين عاقبناهم على ما فعلوا فى الماضى ، وخضدنا شوكتهم فى الحاضر ، وشغلناهم فى القابل ، وسلط الله الحق على باطلهم إلى آخر ما نالهم فى الدنيا من خزى وما نالهم فى الآخرة من عذاب.
٧ ـ ومنها قوله تعالى : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) (١٦) [الإسراء : ١٦] فإن هذا النص قليل الألفاظ فيه معان كثيرة ، لأنه سبحانه يشير إلى أن هلاك الأمم إنما يكون إذا شاع الفساد بين آحادها وإنما يشيع الفساد ممن غلبت أهواؤهم وسيطرت عليهم شهواتهم ، وأن ذلك من الذين نشئوا مترفين لا يرون حق الحياة خالصا إلا لهم ، فيعم الفساد فى الأرض ، وتتقطع الأمة وتتنابز ، وكل ذلك من سيطرة المترفين.
ومن ذلك قوله تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور : ٢١] ، أى أنه مجزى بعمله إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، ومثله قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى) (٤٠) [النجم : ٣٩ ، ٤٠] ومثل قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤].