وقد تكون فى الآيات القصار آية بين كل آية وأخرى تدعو إلى التفكير بصراحة ، كما دعت فواصل الآيات إلى التدبر فى ميزات الفاصلة ، اقرأ قوله تعالى فى سورة الرحمن :
(الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩) وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٢١) [الرحمن : ١ ـ ٢١].
هذه نصوص قرآنية من الآيات القصار تجد كل آية منها تدعو إلى التدبر والتفكر فيما تدعو إليه وما تدل عليه ، وقد كانت الفاصلة منبهة إلى التروى فى معناه ، والتدبر فى مغزاه ، وهى متضامنة مع سابقتها ولاحقتها لتأتى بمعنى كلى جامع ، وصورة بيانية رائعة.
وهكذا تكون آيات القرآن ، وألفاظه وجمله ، وكله إعجاز فى إعجاز. تدل على أنه من اللطيف الخبير العزيز الحكيم السميع البصير.
الإعجاز بذكر الغيب
١٣٨ ـ هذا باب من أبواب الإعجاز ، فيه جزء من القصص ، والجزء الثانى من الأخبار التى يتحدث القرآن فيها عن المستقبل ، فالغيب المذكور فى القرآن نوعان أحدهما غيب مضى ، وهو جزء القصص ، والثانى عن أمور تقع فى المستقبل وكلاهما إعجاز مع البلاغة والبيان ، ومع العلوم القرآنية ، والأحكام التى اشتمل عليها القرآن الكريم.
ووجه الإعجاز فى الماضى وقصصه أن النبى صلىاللهعليهوسلم نشأ أميا لا يقرأ ولا يكتب ، ولم تكن نشأته بين أهل الكتاب ، حتى يعلم بالتلقين علمهم ، وكان قومه أميين لا يسود فيهم علم من أى طريق كان إلا أن يكون علم الفطرة والبيان ، وإرهاف أحاسيسهم بالشعر والكلام البليغ ، وتذوق الكلمات ، والمعانى.
لم يكن عندهم مدرسة يتعلمون فيها ، ولا علماء يتلقون عليهم ، وكانوا منزوين بشركهم عن أهل الكتاب ، والمعرفة فى أى باب من أبوابها ، وكانت رحلة الصيف