ويقول تعالى عن المشركين أنهم عاجزون عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٨٨) [الإسراء : ٨٨] ، وقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) [البقرة : ٢٤].
وهكذا تجد فى القرآن أخبارا عن أمور قابلة ، وتقع كما أخبر ، وصدق فى ذلك كله ، وذلك لا يكون إلا من عند الله ، ولا يمكن أن يكون بالتقدير الشخصى أو الحدسى ، فإن ذلك يصدق أحيانا ، ويكذب أحيانا ، والأمر هنا كله صدق لا تخلف فيه ، وكان دليلا على أنه من عند الله الحليم الخبير اللطيف البصير ، أودعه كتابه الكريم.
٦ ـ جدل القرآن واستدلاله
١٤٠ ـ القرآن كل ما فيه معجز ، فإيجازه معجز ، وإطنابه معجز ، وألفاظه معجزة ، وأساليبه معجزة ، ونغماته ونظمه وفواصله ، كل هذا معجز ، واستدلاله وجدله وبيانه لا يصل إلى درجته نوع من الكلام ، وقد ساق الإمام الباقلانى طائفة من خطب العرب ، وأهل اللسن ، وأهل الإيمان ، طائفة من أبلغها وأقواها ، ووازن بينها وبين إلزام القرآن وإقناعه واستدلاله ، فوجد أن الموازنة غير لائقة بذات القرآن ، والفرق بين القرآن وكلام أعلى أئمة البيان يجعل الموازنة غير مستقيمة ، والفرق بينها وبين القرآن هو كالفرق بين الخالق والمخلوق ، لأنه فرق بين كلام الخالق ، وكلام المخلوق.
ولعله من الخير أن ننقل تلك الخطبة التى اعتبرها الباقلانى من أعلى ما عرف من بليغ القول ، وهى رثاء على بن أبى طالب كرم الله وجه لخليفة رسول الله أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه :
«لما قبض أبو بكر رضى الله تعالى عنه ارتجت المدينة بالبكاء كيوم قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وجاء على باكيا متوجعا ، وهو يقول : اليوم انقطعت خلافة النبوة.
رحمك الله أبا بكر ، كنت إلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأنسه وثقته ، وموضع سره ، كنت أول القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا وأشدهم يقينا ، وأخوفهم لله ، وأعظمهم غناء فى دين الله ، وأحوطهم على رسول الله ، وأثبتهم على الإسلام ، وأيمنهم على أصحابه ، وأحسنهم صحبة ، وأكثرهم مناقب ، وأفضلهم سوابق ، وأرفعهم درجة ، وأقربهم وسيلة ، وأشبههم برسول الله صلىاللهعليهوسلم سننا وهديا ، ورحمة وفضلا ، وأشرفهم منزلة ، وأكرمهم عليه ، وأوثقهم عنده.
فجزاك الله عن الإسلام ورسوله خيرا ، كنت عنده بمنزلة السمع والبصر ، صدقت رسول الله حين كذبه الناس ، فسماك فى تنزيله صديقا ، فقال : والذى جاء بالصدق