الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٦٤). [النمل : ٥٩ ـ ٦٤]
ونرى من هذا كيف كانت التجزئة فى مادة الاستدلال ، وإن لم تكن الأجزاء كلها مستوفاة ، وإنه من منهاج الاستدلال يتبين أن كل جزء يصلح وحده دليلا على أن الله وحده هو المنشئ للكون ، والمدبر له ، والقائم على كل شىء ، ولذلك قرن السياق فى كل جزء نفى أن يكون إله غير الله معه ، سبحانه وتعالى عما يشركون.
ومن التجزئة أيضا فى الاستدلال قوله تعالى : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣) وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٣٥) [الأنبياء : ٢٩ ـ ٣٥].
ونجد هنا فى هذه الآية الكريمة تجزئة فى الاستدلال بحيث يعتبر كل جزء دليلا قائما بذاته ، ومن مجموعه دليل كلى على أن كل صغير أو كبير من خلق الله تعالى ، وأنها دليل على وجوده سبحانه وتعالى.
٣ ـ التعميم ثم التخصيص :
١٤٥ ـ التعميم أن تذكر قضية عامة ، وتؤدى إلى إثبات الدعوى بإجمالها ، ثم يتعرض المستدل إلى جزئيات القضية ، فيبرهن على أن كل جزئى منها يؤدى إلى إثبات الدعوى المطلوب إثباتها ، أو أنها فى مجموعها تؤدى إلى إثبات الدعوى.
ومما سبق ذكره يتبين صدق الدعاوى العامة التى هى صلب الدين وهى التوحيد ، وأنه تجب إطاعة الرسول ، وأنه لا خضوع إلا لله سبحانه ، ومن ذلك قوله تعالى فى المجاوبة بين موسى وفرعون : (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا