يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) (٥٥). [طه : ٤٩ ـ ٥٥]
ونرى من هذه القضية العامة الكاملة التى تذكر بجوار الله سبحانه وتعالى وهى التى بها يعرف الله سبحانه وتعالى الذى خلق كل شىء فأحسن خلقه وهو الهادى ، فقال سبحانه كلمة جامعة كاشفة لمعنى الربوبية ، ومع الربوبية العبادة ، وكمال الألوهية ، فقال الله تعالى على لسان موسى : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) فهو سبحانه وتعالى مانح كل شىء فى هذا الكون الوجود ، وهو مانح الهداية لمن اهتدى.
ثم أخذ القرآن الكريم بعد هذا التعميم الجامع يبين جزئيات داخلة فى هذا ، وذكر من بعد هذه الجزئيات ما ينبه فرعون وأهل مصر وهم أهل زرع وضرع وختم النص الكريم بما يناسبهم ، وهو نعمة للجميع : (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى).
٤ ـ العلة والمعلول :
١٤٦ ـ أساس الاستدلال الربط بين القضايا التى تصور أجزاء الحقائق فى هذا الوجود ، بأن يكون وجود بعض الأشياء علة لوجود شىء آخر ، وبمقدار قوة الارتباط تكون قوة الاستدلال ، وذلك بأن يكون أحدهما علة للآخر ، وإذا وجدت العلة كان المعلول ثمرة لوجودها ، وهما متلازمان من الناحية العقلية ، أو على حسب مجرى الأمور ، وإذا ذكر المعلول ، كان كاشفا لعلته لأن ذكر النتائج مع إحدى المقدمتين للدليل يدل على المقدمة الثانية ، ولأن المقدمات تطوى فيها ، فإذا ذكر تحريم الخمر ، وحاول العقل أن يتعرف سبب التحريم يستطيع تكشفه من أوصاف الخمر ، فإذا عرف الوصف المناسب للتحريم استيقن أنه السبب ، وهو يكون وصفا لا يشاركها فيه غيره من المباحات. وفى القرآن كثير ، يكون فيه التعليل جزءا من الدليل الذى يسوقه القرآن الكريم بتنزيل من العزيز الحكيم ، ولنتل آية إباحة القتال ، فإن فيها السبب الذى يبرره ، والدليل الذى يوجبه ، اتل قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (١٩٣) [البقرة : ١٩٠ ـ ١٩٣].