ولقد أجيز فى أول نزول القرآن أن يقرأ على لغات سبع من لهجات العرب كلها يمنيها ونزارها ، لأن رسول صلىاللهعليهوسلم لم يجهل شيئا منها ، ولذلك روى البخارى أن القرآن نزل على سبعة أحرف نسخت ست وبقيت واحدة ، ويروى مسلم عن أبى بن كعب أن النبى صلىاللهعليهوسلم كان عند أضاة بنى غفار (وهو غدير صغير عندهم) فأتاه جبريل عليهالسلام فقال له : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف ، فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإن أمتى لا تطيق ذلك ، ثم أتاه الثانية فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين ، فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإن أمتى لا تطيق ذلك ، ثم جاء الثالثة فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف. فقال : أسأل الله تعالى معافاته ومغفرته ، وإن أمتى لا تطيق ذلك ، ثم جاء الرابعة ، فقال : إن الله تعالى يأمرك أن تقرئ أمتك على سبعة أحرف ، فأيما حرف قد قرءوا عليه فقد أصابوا ، وروى الترمذى عن أبى بن كعب ، قال : «لقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم جبريل فقال : يا جبريل إنى بعثت لأمة أمية منها العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذى لا يقرأ كتابا قط ، فقال لى : يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف» وهذا حديث صحيح.
وقد قال القرطبى فى كتابه الجامع الكبير لأحكام القرآن : «ثبت فى الأمهات البخارى ومسلم والموطأ وأبى داود والنسائى وغيرها من المصنفات والمسندات قصة عمر مع هشام بن حكيم» ، وهو الذى صرح فيه بأن عمر سمع هشاما يقرأ بحروف لم يسمعها ، فأخذه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأقر ما قرأ هشام ، وأقر ما قرأ عمر ثم قال : «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف».
١٤ ـ وإننا إذا تأملنا ما جاء فى هذه الأخبار الصحاح ننتهى إلى أن العرب ما كانت تطاوع ألسنتهم حرف القرآن ، ففيهم الرجل الشيخ والمرأة العجوز اللذان جمد لسانهما على لهجتهما فلا يطاوعهما على النطق الصحيح بلهجة لم يعرفوها : ولم يلوكوها من قبل ، فكان لا بد أن تمرن ألسنتهم أمدا على لغة القرآن حتى تلين وتألف النطق بكلماته على اللغة التى بقيت.
وتفسير الأحرف باللهجات أو لغات العرب ما بين مضرية وربعية ونزارية وقرشية وغيرها هو التفسير الذى اختاره ابن جرير الطبرى ، وكثيرون من الرواة ، وهو الذى يتفق مع النسق التاريخى فى الجمع الذى اضطر ذو النورين عثمان رضى الله تعالى عنه لأن يقوم به ، وارتضاه الصحابة ، وقال على بن أبى طالب كرم الله وجهه : لو كنت مكانه ما عملت إلا ما عمل.
ولقد ذكر القرطبى أن هذه الأحرف باقية فى القرآن لم ينسخ منها حرف ، ولكنى أرى أن النسق التاريخى الذى أشرنا إليه من قبل يوجب أن يكون حرف واحد قد بقى ، وهو لغة قريش ، وهو الذى كتب عثمان مصحفه عليه ، وكان من قبل مكتوبا عليه كما