بسم الله الرّحمن الرّحيم
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) (٥) [الكهف : ١ ـ ٥].
والصلاة والسلام على محمد الذى أرسل للعالمين بشيرا ونذيرا ، وأنزل عليه الكتاب المبين حجة باقية شامخة إلى يوم الدين. ورضى الله عن صحابته الأكرمين ، الذين بلّغوا من بعده شريعة القرآن ، ومعه العدل والقسطاس المستقيم.
١ ـ أما بعد : فقد اتجهت النفس متسامية إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أتعرف سيرته الطاهرة العطرة لأقتبس من نور هديه. وأتنسم نسيم عرفه ، ولأشاهد إرهاصات النبوة ، بل الإعجاز فى حياته الأولى ، كما أيده الله تعالى بالمعجزات فى حياته الثانية بعد أن بعث رحمة للعالمين. وقد تابعنا حياته عليهالسلام الأولى ، ثم تسامينا إلى متابعة حياته الثانية بعد أن نادى فى الجزيرة العربية بصوته القوى العميق يدعو إلى التوحيد فى وسط الوثنية. وهو يصبر ويصابر. ويجاهد ويناضل ، ويلاقى الأذى ، والمؤمنون الصادقون الذين معه يعذبون ، وقلوبهم مطمئنة بالإيمان لا ينطقون بالكفر ، ولو مزق الأذى أجسامهم. وطواغيت الشرك يتمتعون بالإيذاء ، بينما أهل الإيمان يرضون بالعذاب عن الكفران ، وقد أخذ النبى من بعد ذلك يعرض نفسه على القبائل ، تمهيدا لبناء دولة الإسلام الفاضلة ، فى غير مكة ، وأخذ النور يسرى فى ظلمات الجاهلية ، منبثقا من مكة ، وإن لم يستضئ أهلها بنوره لعمى البصائر. (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٤٦) [سورة الحج : ٤٦].
والمعجزة الخالدة التى يتحدى بها قريشا وسائر العرب هى «القرآن الكريم» .. رأينا من مساوقة الحوادث أن نتكلم فى هذه المعجزة الكبرى. على أن يكون كلامنا فيها تبعيا وليس أصليا ، وبالعرض لا بالذات.