ولا مكان للتدارس وأتى بنظام للعلاقات الاجتماعية والتنظيم الإنسانى ، لم يسبقه سابق ، ولم يلحق به لاحق.
وقد كتبنا فى هذا بما فيه بيان الناس (١). والآن نكتفى بالإشارة إلى موضوعات الأحكام من غير إطناب تتميما لأجزاء الموضوع ، والتفصيل فى موضعه بما كتبنا.
العدالة
١٨٤ ـ كل النظم الإسلامية قامت على العدالة ، إذ كانت الشعارات تدعو إلى التسامح ولو مع الظالم ، ويقول قائلها استغفروا لأعدائكم ، فالإسلام يقول اعدلوا مع كل إنسان ولو كان عدوا مبينا. ومكان التسامح فى الأمور الشخصية ، لا فى الأمور التى تتعلق بتنظيم العلاقات الإنسانية. ولذا يقول الله سبحانه وتعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
[النحل : ٩٠]
ولقد قال العلماء : إن هذه الآية أجمع آية لمعانى الإسلام ، ويروى فى ذلك أنه عند ما شاعت دعوة النبى صلىاللهعليهوسلم فى الأرض العربية ، وتناقلتها الركبان أرسل حكيم العرب أكثم بن صيفى ولده ليسألوا محمدا صلىاللهعليهوسلم عما يدعو ، فتلا عليهم هذه الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) [النحل : ٩٠] ، فرجعوا إلى أبيهم ، وذكروا له ما سمعوا ، فقال الحكيم العربى : «إن هذا إن لم يكن دينا فهو فى أخلاق الناس أمر حسن ، كونوا يا بنى فى هذا الأمر أولا ، ولا تكونوا آخرا».
والعدل ليس موالاة الأولياء ، وظلم الأعداء ، إنما العدالة للجميع على سواء ، والله تعالى يقول مخاطبا أهل الإيمان : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨] ، فالعدل مع الأعداء المبغوضين كحاله مع الأولياء المحبوبين أقرب للتقوى.
ويقول سبحانه وتعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (١٣٥) [النساء : ١٣٥].
وإن هذه الآية تدل على أمور ثلاثة : أولها ـ أن العدالة فى ذاتها مطلوبة لأنها أقرب القربات إلى الله تعالى ، والعدالة فى كل شىء وفى كل عمل ، ولذلك قال
__________________
(١) كتبنا فى ذلك رسالتين إحداهما بعنوان شريعة القرآن دليل على أنه من عند الله ، ورسالة الملكية بالخلافة فى الشريعة والقانون الرومانى ، وقد طبعهما مجلس الشئون الإسلامية وترجمهما.