وواضح أن الدية لتعويض الأسرة وهى تجب على أسرة الجانى لأسرة المجنى عليه ، وفى وجوبها على أسرة الجانى معنى التعاون الاجتماعى بين الأسرة فى دفع الأذى ، والحمل على المعاونة فى التأديب النفسى.
والكفارة فيها تعويض لجماعة المؤمنين ، لأنه بقتله لمؤمن قد نقص عدد المؤمنين ، فكان الواجب أن يعوض ما نقص بعتق رقبة مؤمنة ، لأن العتق إعطاء الحرية ، والحرية كالحياة.
وفى الجملة أن الكفارات كلها التى جاء بها القرآن وبينتها السنة النبوية فيها معنى العبادة ، وفيها صلاح ، وفيها تعاون اجتماعى إنسانى.
فى الأسرة
١٨٩ ـ قبل أن نتلو الآيات الكريمة التى تصدت لأحكام الأسرة وتنظيم العلاقات بين آحادها. أو نشير إلى بعض تلك الآيات الكريمة لا بد أن ننبه إلى أمرين :
أولهما : ما ذكرناه آنفا من أن العبادات قد ذكرت فى القرآن إجمالا وترك أمر بيانها للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، وأشرنا إلى ما أدركنا حكمته لعلم الله تعالى فى شرعه وبيان أحكامه.
الأمر الثانى : أن الأسرة ذكرت أحكامها تفصيلا من وقت تكوينها بعقد الزواج إلى أن يقرر الله تعالى التفريق بالموت ، أو الطلاق ، وذكر أحكام الأسرة الممتدة غير المقصورة على الزوجين ، وما بينته السنة لا يعد كثيرا بالنسبة لما بينه القرآن الكريم.
ثم ذكر القرآن الكريم توزيع المال فى آحاد الأسرة ، وفى الميراث ، ويكاد القرآن الكريم يستغرق كل أحكامه فى تفصيل لا إجمال فيه.
وهنا يسأل السائل ، لما ذا كان التفصيل فى أحكام الأسرة ، ولم يترك أمرها لبيان النبى عليه الصلاة والسلام فقط ، ونقول فى الجواب عن ذلك أن هذه حكمة علام الغيوب ، وأننا نتلمس معرفة بعض هذه الحكمة ، راجين ألا نكون داخلين فى النهى فى قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٣٦) [الإسراء : ٣٦].
وإن هذا بلا ريب من عناية القرآن الكريم بالأسرة ، إذ جاء النص على أحكامها بآيات محكمة ، وإذا كانت عناية الإسلام بالعبادات ، جعلت أحكامها عملية يتولاها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، لتربى النفوس عليها بالدربة والتهذيب لا بمجرد التلقين ، فعناية الإسلام بالأسرة كانت بالنص الكامل على نظامها ، لكيلا ينحرف الناس بأهوائهم عنها ، ولكيلا ينكروا تطبيقها ويجعلوا لعقولهم سبيلا للتحكم فى أموالها ،