الخلع :
١٩٤ ـ واضح من هذا أن الرجل إذا نفر من زوجته ولم يكن سبيل لإزالة نفرته كان له أن يطلق فى الحدود التى بيناها ، ومع الواجبات التى أوجبها القرآن ، فإذا نفرت المرأة من عشرة الزوج ، فهل تبقى مع هذه النفرة ، التى حاول الزوجان ، وذووهما إزالتها ، فلم يستطيعوا ، هنا تجلت العدالة التى قررها الله تعالى فى قوله تعالى : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) [البقرة : ٢٢٨]. فكما أن الرجل له أن يوقع الطلاق إذا نفر من زوجته وتأكدت النفرة ، وشدد فى أن يكون الطلاق رجعيا ، لأنه عسى أن تكون النفرة لأمر عارض وقد زال ، فهو أحق بامرأته.
إذا كان الأمر كذلك فى الطلاق عند نفرة الرجل ، فإنه يفرض أن هذه النفرة قد تكون منها ، وتكون العشرة مباغضة ، ومع المباغضة العنت ، لذلك شرع الخلع ، وكان الخلع بالاتفاق بينهما ، وقد يكون بحكم القاضى إن ترافعا إليه.
ولما ذا كان الخلع فى حال نفرة المرأة؟ الجواب عن ذلك أن الرجل ينفق فى سبيل الزواج مالا ، وقد يكون كثيرا ، وذلك بحكم القرآن ، وقد يكون كل ما يملك ، ويستقبله زواج آخر يقيم به حياة زوجية ، بدل هذه الزوجية التى أبغضت فيها المرأة ، ولا يمكن العشرة مع بغضها ، فكان لا بد من أن يأخذ ما أنفق أو بعضه.
وهذا هو الخلع ، وقد شرعه الله سبحانه وتعالى بقوله : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة : ٢٢٩]
الطلاق ثلاث مرات :
١٩٥ ـ شرع الله الطلاق ثلاث مرات سواء أكان بإيقاع الزوج منفردا ، أم كان باتفاقهما فى الخلع ، أو بحكم القاضى ، فإذا وقعت الطلقات الثلاث بثلاث مرات ، فإنها لا تحل له إلا بعد أن تتزوج زوجا غيره بزواج شرعى صحيح على نية البقاء ، لا على نية التوقيت ، ثم إن طلقت من بعد لأمر عارض أو توفى عنها زوجها فإن لهما أن يتزوجا من بعد ، ذلك ما بينه سبحانه وتعالى بقوله تعالت كلماته ، وتسامت أحكامه ، (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٢٣٠) [البقرة : ٢٣٠].
وكان تحريمها بعد الطلقة فى المرة الثالثة ، لأنها تدل بعد التجربة على أن الحياة لا تستقيم بينهما على ما هما عليه ، من أخلاق ، أو تنافر ، فكان لا بد من تجربة تكون شديدة عليهما إن كان ثمة محل للصلاح ، أو احتمال له ، وكانت تلك التجربة أن تتزوج