ورأى على رضى الله عنه مثيرى الفتنة بعد مقتل الشهيد عثمان ، فقال رضى الله عنه وكرم الله وجهه : «يا معشر الناس اتقوا الله ، وإياكم والغلو فى عثمان ، وقولكم حرق المصاحف ، فو الله ما حرقها إلا على ملأ منا أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم» ، وروى عن عمر بن سعيد أنه قال : «قال على بن أبى طالب لو كنت الوالى وقت عثمان لفعلت مثل الذى فعل عثمان».
تحريق غير المصحف الإمام وغير ما نسخ منه
١٩ ـ كانت الفتنة قد بلغت ذروتها وخب فيها الذين يؤيدونها ووضعوا ، وكان قد دخل فى الإسلام الذين يريدون أن ينتقموا منه لدولهم التى غزاها نور الإسلام ، وانفتح فى قلوب الأكثرين باب الهداية ، ووجدوا فى القرآن السبيل إلى ما أرادوا أن يهدموه وهو الإسلام ، ليقتلعوه من جذوره ، ويأتوه من قواعده ، فجاءوا من القرآن عماده ونور الله المبين وحبله المتين.
وكان السبيل إحياء الأحرف التى نسخت ، فاندسوا بين المسلمين يحيون المقبور ، ويروجون المهجور ، ويبثون روح الشك والريب فيما هو متواتر ثابت.
وقد انبرى لهم ذو النورين ، واجتث شرهم ، فجمع المصحف الإمام على الطريق المأمون الذى كان مستوثقا غير متظنن ، ومتأكدا غير متشكك ، فكان ما كتب فى عهده هو عين ما كتب فى عهد الشيخين أبى بكر وعمر ، وما كتب فى عهد الشيخين هو عين ما أملى فى عصر النبى صلىاللهعليهوسلم ، وما حفظه أصحابه فى صدورهم.
حتى إذا تم له ما احتسبه عند الله على ملأ من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذين شاهدوا وعاينوا واتبعوا عن بينة وفيهم الكثيرون ممن حفظوا القرآن كله كعلى كرم الله وجهه ، ومعاذ بن جبل ، فكان التواتر الكامل والصيانة الكاملة والاستحفاظ على كتاب الله تعالى.
فلم يبق إلا أن يزيلوا غيره من المصاحف ، لأنها كتبت بغير حرف قريش أو به وبحروف أخرى ، فأحرقها جميعا ، ولم يبق إلا المصحف الإمام وما نسخ منه ، فلا يرجع إلى سواه ، ولا يعتمد على غيره ، ولو بقيت مصاحف غيره لكان الاحتجاج بها ، ولعادت الفتنة جذعا ، وكان التشكيك والريب ، وقد حفظ الله تعالى كتابه.
حرق عثمان المكتوب كله ، ولم يبق منه شيئا ، ورد إلى السيدة أم المؤمنين حفصة المصحف الذى كان مودعا عندها ، والذى كان إماما لمصحف عثمان ، كما قرر بحق ابن جرير الطبرى ، وقد رده إليها لموعدة وعدها إياها فوفى بوعده ، ولكنها لما توفيت أمر عبد الله بن عمر أن يحرق المصحف الذى كان عندها ، وروى أنها توفيت رضى الله عنها فى عهد معاوية بن أبى سفيان ، وأن الذى حرق المصحف الذى عندها