البكر ، دون غيره ، ولم يجعل التركة كلها للأولاد دون الآباء ، ولم يجعل يد المورث مطلقة يختص بتركته من يشاء ، ويحرم من يشاء ، بل جعل نظام الميراث إجباريا فى ثلثى التركة ، ووزع الثلثين من التركة ، بين عدد من الورثة ، والصورة التى يختص بالتركة فيها واحد فقط نادرة ، وهى تكون حيث يقل الأقارب ، وفى هذه الحال تكون ثمة وصية للأقارب غير الوارثين ، على ما سنبين فى الوصية إن شاء الله تعالى.
وإذا انتقل الميراث إلى الحواشى كالإخوة والأخوات ، والأعمام ، يوزع بينهم من غير أن يستبد بعضهم بالميراث كله ، بل من غير أن تستبد قرابة دون قرابة ، فإذا كان هناك أشقاء وإخوة لأم كان الميراث للجميع ويكون للإخوة الثلث.
وهكذا نجد الميراث فى القرآن الكريم ، وفى بيان السنة للقرآن وتطبيقه ، نجد الميراث يتوزع ولا يتجمع ، وإن التجمع فى وارث واحد يكون فيه بلا ريب ظلم للباقين ، ولا يكون المال دولة بين ناس من الأسرة ، والآخرون محرومون محدودون ، بل لا يكون المال فى الأمة كلها دولة بين الأغنياء ، والحرمان للباقين.
٢٠٢ ـ إن من المقررات الشرعية أن الميراث يدخل ملكية الوارث فى الثلثين جبرا عنه ، وبغير إرادة المورث ، بل بإرادة الله سبحانه وتعالى ، ويسمى التوريث الخلافة الإجبارية ، وهى تكون فى ثلثى التركة ، ويقولون أيضا أن الثلث يكون للوصية ، وقد فرض القرآن الوصية ، بل إن صيغته فى التحريض كانت صيغة إيجاب ، فقد قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى (١٨٠) الْمُتَّقِينَ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ (١٨١) عَلِيمٌ فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) (١٨٢) [البقرة : ١٨٠ ـ ١٨٢]
وإن هذا النص يستفاد منه جواز الوصية ، بل وجوبها عند ما تكون فى موضع بر بأن تكون فى الأقربين ، فهى سد لما عساه يكون فى توزيع الميراث من حرمان بعض ضعفاء الأقارب من الميراث ، إذا لم يكونوا فى نظام التوزيع ، فهى فى وضعها بجواز الميراث تكميل لأحكامه. فقد تكون الأخت الفقيرة لا يصل إليها الميراث لوجود الأبناء ، فكانت الوصية التى كتبها الله تعالى فى الثلث سدا لخلتها.
وإنه بمقتضى هذا النص تكون الوصية واجبة لفقراء الأقارب غير الوارثين ، وذكر الوالدين لأنهما قد يكونان غير وارثين ، لاختلاف الدين ، كما كان الأمر فى صدر الإسلام ، إذ كان الرجل يكون مشركا والمرأة كذلك ، وولدهما قد هداه الله تعالى إلى الإسلام ، فيكون عليه أن يوصى لهما ، لأن ذلك من الإحسان ، والمصاحبة لهما