والى المدينة مروان بن الحكم ، ومهما يكن اختلاف الرواية فى تاريخ وفاتها ، فإن عثمان رضى الله عنه قد قرر أن يحرق بعد وفاتها.
وهنا يسأل المؤرخ : إذا حرق عثمان المصاحف الأخرى لما أثارته من فتنة ، ولأنه كان فيها حروف أخرى غير حرف قريش فلما ذا قرر حرق المصحف الذى عند حفصة ، وقد كان إمام مصحفه ، والمرجع الذى وزن به صحة ما كتب فى عهده ، حتى إنه قيل إن المصحف الذى كتب فى عهده قد نسخ منه نسخا؟.
ونقول فى الجواب عن ذلك أن المصحف أودع حفصة رضى الله عنها وعن أبيها لأنها كانت حريصة على أن يبقى عندها ، وما أراد الرجل الطيب عثمان أن يحرمها مما أرادت ، فأعاده إليها ، ولكنه الحريص على القرآن خشى أن يقع فى يد أحد ، فيمحو فيه ويثبت ، ويقول : قد غير ما عندكم ، وها هو ذا الأصل ، فاحتكموا إليه ، ويكون صالحا للاحتكام ، فأمر أن يحرق بعد وفاتها ، وما أبقاه عندها فى حياتها إلا مرضاة لها ، فاحتاط للقرآن ، وما أعنتها ، رضى الله تعالى عن ذى النورين بما صنع ، وأكرمه فى مثواه ، ورضى عنه وأرضاه.
ترتيب الآيات والسور
٢٠ ـ أجمع العلماء على أن الآيات رتبت بتنزيل من الله تعالى فكانت الآية إذا نزلت يقول صلىاللهعليهوسلم لكاتبه ولصحابته : ضعوها فى موضع كذا من سورة كذا ، وتكون لقفا مع التى وضعت بجوارها ، وتكونان نسقا بيانيا ، هو الإعجاز ، وإنه يدل على وحدة المنزل وهو الله سبحانه وتعالى ، وإن الآيات المكية كانت توضع فى السور المكية ، والمدنية كانت كذلك توضع فى المدنية ، إلا بعض آيات مدنية وضعت فى سور مكية ونبه إليها.
على ذلك انعقد الإجماع ، وكانت العرضة الأخيرة التى قرأ فيها النبى صلىاللهعليهوسلم على جبريل بترتيب الآيات ذلك الترتيب ، ومن أنكر ذلك أو حاول تغييره فقد أنكر ما عرف من الدين بالضرورة ، وخرج عن إطار الإسلام ، وحاول التغيير والتبديل ، فتلك الدعوات المنحرفة التى تدعو إلى ترتيب القرآن على حسب النزول ، أو على حسب الموضوعات هى خروج على الإسلام ، يبثه بعض الذين لا يرجون للإسلام وقارا ، إذ يجعلون القرآن عضين ، ويخالفون التنزيل ، ويعارضون الوحى ، وذلك خروج عن الإسلام.
هذا ترتيب الآيات ، أما ترتيب السور فإنه من الثابت أن المصحف الإمام كان على هذا الترتيب ، وقالوا : إنه ما ارتضاه زيد بن ثابت ، ووافقه عليه الشيخان أبو بكر وعمر وصحابة النبى صلىاللهعليهوسلم وذو النورين عثمان وهو المتبع ، فلا يغير ولا يبدل ، وقد قيل أن بعض الصحابة كان له مصحف بغير هذا الترتيب ، فكان لأبيّ مصحف ، وكان لعلى