إنكم إن وازنتم بين هذه الجرائم التى ترتكب فى سبيل السرقة وجدتم أن قطع اليد لا يساوى فى عدده عشر معشار هذه الجريمة ، واعتبر ذلك بالبلاد التى طبقت حد السرقة ، فإن الأيدى التى تقطع فى البلاد كلها لا يتجاوز إن تواضعنا عدد أصابع اليد.
لقد عجزت القوانين عن علاج جريمة السرقة ، فهلا نستعين بحكم الله تعالى ، ولكن آفة الجماعات فى هذه الأيام أولئك الذين تذهب أنفسهم حسرات على المجرمين ، ولا تنظر نظرة عطف على الذين كانوا فريسة للعابثين والمجرمين ، وذلك فساد منطقى غريب ، ومع ذلك يعدون أنفسهم اجتماعيين.
الاعتداء على النسل :
٢٠٨ ـ أوضح جريمة فى الاعتداء على النسل جريمة الزنى ، فإنها إذا شاعت فى قوم ضعف نسلهم ، وانحدروا إلى الفناء ، كما رأينا فى أمم حاضرة ، وجماعات ماضية.
وقد تعرض القرآن الكريم لبيان هذه الجريمة وعقوبتها ، أو بالأحرى لبيان هذه العقوبة مع التعرض الإجمالى للجريمة ، مفصلا العقوبة ، فقد قال تعالى : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٥) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً) (١٦) [النساء : ١٥ ، ١٦].
وإن هذا النص الكريم دل على أمور ثلاثة :
أولها ـ أن الشهادة على الزنى لا تكون إلا بأربعة ، فلا تصح الشهادة بما دون ذلك ، وقد أكد هذا المعنى قوله تعالى فى حد القذف : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) [النور : ٤].
ثانيها ـ أن الرجل والمرأة إذا ارتكبا الفاحشة ، وهى الزنا فى الآية الأولى والثانية ، كان لا بد من عقوبة مناسبة ، إذا لم تكن توبة يكون معها إصلاح أمورهم ، وأنهم إن كرروا لا تقبل التوبة ، وكذلك قرر كثيرون من الفقهاء كما قيل فى السرقة.
الثالث : أن النساء يختصصن بعقوبة لا تمنعها التوبة ، وهى أن يمسكن فى البيوت حتى الوفاة أو يجعل الله لهن سبيلا بالزواج ، وهذه فى الحقيقة ليست عقوبة ، ولكنها صيانة وحمل على التوبة ، فإن كان منهن من بعد فاحشة كان الإيذاء.
وقد ذكر هنا الأمر بالإيذاء مجملا ، وفصل فى سورة النور ، فقال تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ