فقد خرج الخارجون على الإمام العادل على رضى الله عنه وكرم الله وجهه ، وزعموا أن لهم تأويلا ، بدعواهم أن الذين أيدوه هم قتلة عثمان.
وتصدى على رضى الله عنه لمقاومتهم ، بعد أن حاول رتق الفتق ، وإصلاحه بالموعظة ، حتى أجبروه على القتال ، وخرجوا إليه فى صفين.
خرج الخوارج من بعد ، وهم أشد البغاة تطرفا فى بغيهم ، وكان القتال بين أهل العدل ، وأهل البغى ، ويلاحظ أن عليا رضى الله عنه لم يجرد سيفه للقتال مهاجما إلا بعد أن قتل معاوية عمار بن ياسر ، عندئذ تجرد على ، وهجم بجنده لأنه علم أنهم بغاة حقا ، إذ قال عليه الصلاة والسلام لعمار : تقتلك الفئة الباغية ، ولا نريد أن نخوض فيما قاله الفقهاء ، فإننا نذكر الحكم من غير تفصيل.
المعاملات المالية
٢١٦ ـ اشتمل القرآن الكريم على بيان الحلال والحرام فى الأموال وطرق كسبها ، لكن بيانها كان إجماليا ولم يكن تفصيليا كالأسرة لأن المعاملات مختلفة فى تفصيلها وطرقها ، ويجمع أحكامها قواعد عامة تعرض القرآن لبيانها ، وذكر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بيانه فيها.
وأول ما أمر به القرآن بالنسبة للمعاملات عدم أكل أموال الناس من غير أساس من التعامل المشروع أو الإنتاج مما أخرجت ، ومن التحويل فى الصناعات المختلفة ، فقد قال تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) (٢٩) [النساء : ٢٩].
وإن هذا النص يدل على أمور ثلاثة : أولها ـ النهى عن أكل مال الناس بالباطل أى بغير حق موجب. وثانيها ـ أن أكل الناس بالباطل وشيوعه مثل شيوع الرشا والربا ، وغيرهما من المعاملات الفاسدة التى تتضمن فى ذاتها أكل الأموال بالباطل يؤدى إلى ضياع قوة الأمة ، وقتل روح التعاون فى الجماعات ، ولذا كان قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً).
ولقد صرح القرآن الكريم بالنهى عن الرشوة ، وخصوصا رشوة الحكام التى تذهب بالثقة ، وتفسد العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، وتجعل أمور الناس فوضى ، فقد قال تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١٨٨) [البقرة : ١٨٨].