والخسارة ، ولذلك كانت المضاربة الشرعية ، أو ما يسمى شركة مساهمة ، ومعناها أن يدفع المال لمن يستغله على قسمة الربح بينهما ، بأسهم شائعة ، كالثالث والرابع ، على أن تكون الخسارة على صاحب رأس المال ، وهو المبدأ الذى تقوم عليه الشركات المساهمة ، وإن هذا النوع هو الذى يتفق مع مبدأ التعاون الذى دعا إليه القرآن الكريم فى قوله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ). [المائدة : ٢]
وهذا غير الربا لأنه استغلال من جانب الرابى ، والعمل على غيره من غير أن يتعرض للخسارة ، وهو يؤدى إلى التنابز.
وقد قرر المجددون من علماء الاقتصاد أن سبب الآفات ، التى تقع هو من نظام الفائدة ، وأن ذلك النظام سبب بقائه مع فساده ، وإدراك الناس لهذا الفساد أنه لا يوجد نظام يحل محله.
٢٢٢ ـ وأخيرا ، نقرر أن النظام الاقتصادى فى الإسلام لا يقوم على الربا ، بل إنه يناقضه ، لأنه يجعل صاحب رأس المال يكسب من غير عمل ، ومن غير تعرض للخسارة.
وإن الذى يلاحظ أن العالم الآن يحكمه نظامان :
أحدهما ـ يجعل رأس المال كاسبا ماديا دائما ، من غير أن يقوم صاحبه بعمل يتحمل تبعاته ، ويؤدى به خدمة عامة تنفع الناس ، وتمد الجماعة بالخير ، فعملهم فى الحياة أن يملكوا رأس المال وغيرهم يعمل ويستغله كاسبا ، وخاسرا ، ثم يجيء إليهم المال رزقا رخيصا ، ليس مكسوا بجهد عامل.
وثانيهما ـ نظام يلغى رأس المال ، ويجعل العمل وحده هو طريق فى مصنع يصنع ، أو فى حقل يزرع ، أو فى أى عمل ينفع الجماعة.
والنظامان يتناحران ، وقد يؤدى التناحر إلى أن يأخذ بعضهما من الآخر قليلا أو كثيرا ، أفلا يتسع الوجود الإنسانى فى ذلك المضطرب لنظام يحترم رأس المال على أن يعمل فيه صاحبه يكسب من حلال وينتج ما ينفع الناس ، فيكون نعم المال الصالح فى يد العبد الصالح ، ويمنع أن يكون كسب لأى مال من غير أى عمل وتحمل الخسارة ، أى أنه يمنع الكسب بالزمن إنما يكون الكسب بالعمل ، وبرأس المال الذى يعمل فيه صاحبه.
ذلك هو نظام الإسلام الذى سينتهى إليه العالم إن عاجلا أو آجلا.
ولو أن الذين يعملون فى الاقتصاد من المسلمين يؤمنون بالقرآن كإيمانهم بنظم هذا الزمان لكانوا الدعاة إلى اقتصاد القرآن ، وعساهم يفعلون.