ثانيهما : أننا نقول أن ذلك كان قبل العرضة الأخيرة ، وفى العرضة الأخيرة وضعت السور فى مواضعها ، وهذا ما اختاره القرطبى وغيره ، فقد قال : «أما ما روى من اختلاف مصحف أبىّ وعلى وعبد الله بن مسعود فإنما كان قبل العرض الأخير ، إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رتب لهم ترتيب السور بعد ، إن لم يكن فعل ذلك من قبل».
وننتهى من هذا إلى أن ترتيب السور كترتيب الآيات كان بوحى من الله العلى الحكيم.
قراءات القرآن
٢١ ـ يقرأ القرآن الكريم بقراءات مختلفة : مختلفة فى حركات أواخر الكلمات أو فى بناء الكلمة ، أو فى الوقوف فى أواخر الكلمات ، أو فى الهمزات قطعا ووصلا ، كهمزة الأرض ، فهى تقرأ موصولة ومقطوعة ، وهكذا ، وإنه يجب التنبيه فى هذا إلى أمرين :
أولهما : أن قراءات القرآن متواترة ليست هى الأحرف السبعة كما ذكرنا ، بل إن الرأى القويم الذى انتهى إليه الباحثون كابن جرير (١) الطبرى وغيره إلى أن القراءات كلها تنتهى إلى حرف واحد ، وهو الذى كتب به المصحف المحفوظ عند أم المؤمنين حفصة ، وهو الذى جمعه عثمان بن عفان رضى الله عنه ، وألزم به الأقاليم الإسلامية ، وهو مطابق تمام المطابقة للمصحف الذى كتب فى عهد أبى بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما ، وهو الذى حفظ فى بيت أم المؤمنين حفصة رضى الله تعالى عنها وعن أبيها الفاروق.
الأمر الثانى : أن هذه القراءات تنتهى فى نهايتها إلى أنها من ترتيل القرآن الذى رتله الله سبحانه وتعالى ، وتفضل بنسبته إلى ذاته الكريمة العلية فقال تبارك وتعالى : (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) [الفرقان : ٣٢] فهى الأصوات التى أثرت عن النبى صلىاللهعليهوسلم ، وإذا كان فيها موسيقى ، إن صح لنا أن نقول عنها هذا التعبير ، فهى الأصوات القرآنية التى اتبعناها عن النبى صلىاللهعليهوسلم ، فهى فى مدها وغنها ، وإهمازها ، وإهمال همزاتها ، وإمالتها وإقامتها ، أصوات القرآن المأثورة ، إذ إن القراءة سنة متبعة ، وإن اختلاف القراءات الصحيحة وكلها متواترة عن الصحابة الذين أقرأهم النبى صلىاللهعليهوسلم ، وأعلمهم طرق الأداء التى تعلمها عن ربه ، كما يشير إلى ذلك ما تلونا من قبل ، وهو قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (١٩) [القيامة : ١٦ ـ ١٩].
__________________
(١) توفى سنة ٣١٠ ه.