فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٠٩) [البقرة : ٢٠٨ ، ٢٠٩].
وإذا قامت الحرب بين المسلمين المؤمنين بالقرآن ، فإن الإسلام يتشوف للسلم يبتغيه ، ولا يريد الاستمرار فى مذبحة ، فإن مالوا للسلم أجابهم المسلمون ، ولو كانوا يتوقعون الخديعة ، ما دامت لم تظهر أماراتها ، ولذلك يقول سبحانه وتعالى : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٦٣). [الأنفال : ٦١ : ٦٣]
وقد تربت النفس المؤمنة على المحبة ، فكانت تكره القتل والقتال إلا أن يكون ذلك جهادا ، ولذلك قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢١٦) [البقرة : ٢١٦] وكان القتال بالجهاد لدفع الشر وتعميم الخير ، لأن الإسلام يدعو إلى الخير ، وإلى الفضيلة ، وفضيلة الإسلام إيجابية وليست ـ سلبية ، فهى تدافع الرذيلة ولا تستسلم.
وإذا كان الوجود يتنازع فيه الخير والشر ، والفضيلة والرذيلة ، فإنه لا بد من دفاع الخير ، لقد أراد الإسلام للناس المحبة ، ولكن أراد إبليس لهم البغضاء ، فكان لا بد من النزاع بين مبدأ المحبة والبغضاء ، وإلا يدفع الشر ساد الفساد ، وعمت الرذائل ، لذلك شرع مبدأ الجهاد لدفع الشر ، ومنع الفساد ، ولقد قال الله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (٢٥١) [البقرة : ٢٥١].
لذلك شرع الجهاد فى الإسلام ، وأول الجهاد كان عقب الاعتداء وفتنة المسلمين وإيذائهم ليرجعوا عن دينهم ، عندئذ أذن الله تعالى بالجهاد وأوجبه ، فقال تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٤٠). [الحج : ٣٩ ، ٤٠]
ولقد قال تعالى آمرا المؤمنين بالقتال : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ