وهذا التشدّد فى الوفاء بالعهد لأنه فى ذاته عدالة ، ولأن العهد فيه حد للحقوق ، وخصوصا إذا كان بين متكافئين ، ولا يصح أن يكون الاستعداد وأخذ الأهبة سببا فى ذاته للنقض. ولكن إذا قامت أمارات تدل على أن استعداد المعاهد وأهبته نذير خيانة. وعلى المؤمنين أن يأخذوا حذرهم كما قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) (٧١) [النساء : ٧١]. وفى هذه الحال يطبق قوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) (٥٨). [الأنفال : ٥٨]
وإذا كان هناك ما يجب الاحتياط له فإنه يكون عند عقد العهد. فلا يصح الاطمئنان إلى عهد من عرفوا بالخيانة. فإن العهد معهم نوع من الاغترار. ولذلك كان يجب تعرف حال الطرف الذى يعاهده قبل العهد. ولذلك حذر الله تعالى من العهد مع بعض المشركين الذين يقول سبحانه فيهم : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) (١٠) [التوبة : ٨ ـ ١٠].
٢٣٠ ـ هذا ما أردنا أن نقتبسه من آى الذكر الحكيم فى أحكام الحلال والحرام ، وما نقلنا كل ما اشتمل عليه القرآن العظيم. ولكن نقلنا ما يرى التالى للقرآن المقتبس من نوره. وما فصلنا الأحكام التى تعرضنا لنقلها من كتاب الله ، فإن تفصيلها يحتاج إلى نقل ما جاء فى السنة ، وما اختلف الفقهاء فى ظل النور القرآنى فى دلالة بعض الألفاظ ، فإن الكلام فى ذلك يخرجنا عن مقصدنا. وهو الإشارة إلى علم الكتاب الكريم الذى يدل على إعجازه. والله سبحانه وتعالى الهادى إلى سواء سبيل.
علم الكون والإنسان فى القرآن
٢٣١ ـ القرآن الكريم ، تكرر ذكر الكون فيه لأنه كما بيّنّا اتخذ من خلق كل من فى الوجود دليلا على من أنشأه ، فكان بمقتضى النهج النورانى لا بد أن الكون وما فيه من خلق عظيم يدل على منشئه وحده سبحانه وتعالى ، ولا تكاد تجد سورة من القرآن مكية أو مدينة خلت من ذكر الكون ، وما يتصل به.
وإن ذلك فيما نحسب يوجه نظر الإنسان إلى أنه جزء صغير من هذا الكون ، ليربطه به ، وليتعرف أسراره ، وأحواله ، وليعرف أنه وهو الصغير قد سخر الله تعالى له هذا الكون الكبير ، ولقد قال تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ).
وأن ثمة حقائق مذكورة فى القرآن يستبصر بها كل متعرف لهذا الكون دارس له.