فإن ذلك يكون مذموما ، لأنه تفسير بالرأى من غير إدراك لمعانى الألفاظ فى عرف الإسلام ، وبغير مؤهلات ، واجتهاد فى الفهم من غير التسلح بأدواته ، وحينئذ يكون الخطأ ، ويكون السقط.
فهذان هما الموضعان اللذان يذم الرأى فيهما.
وفى الحق أن هذا ليس تفسيرا بالرأى المجرد ، إنما هو من الهوى أو التهجم ، والتهجم على ما لا يحسن ، والعمل فيما لا يتقن ، وذلك قبيح فى كل شىء.
الظاهر والباطن
٢٥٥ ـ يدعى بعض فرق الشيعة أن للقرآن ظاهرا وباطنا ، وأن الباطن له باطن حتى يصل العدد إلى سبعة بواطن ، وأن معرفة القرآن معرفة صحيحة كاملة لا تكون إلا بمعرفة هذه البواطن ، وليس علمها عند كل إنسان ، بل أوتى العلم بالبواطن كلها الإمام المعصوم ، والأصل أن علم هذه البواطن كلها كان عند النبى صلىاللهعليهوسلم ، وقد أودعها من بعده على بن أبى طالب ، وعلى أودعها عند موته الإمام من بعده ، وهكذا توالت النفوس فى أخذ هذه الوديعة إماما عن إمام حتى وصلت إلى الإمام المستور المغيب.
وقد تولى القاضى عبد الجبار إدحاض ذلك الرأى ، وبين أنه لا أساس له من العقل ولا النقل ، فقال عن هذا الرأى ، حكى ذلك عن قوم من الأوائل ، لأنهم زعموا أنه ينطبع فى النفس مثل المدركات ، فيعرفه المدرك ، على أن هذه الطبقة خارجة عن حد من يناظر ويتكلم ، لأنها تبنى على الحيل. وإنما تقع المناظرة من أهل الديانات ، دون من يجعل من يبتدئه ويعيده مبنيا على الخديعة والاستشكال ، والتوصل إلى استباحة المحذور ، ويرى أن المذاهب كلها واحدة ، وأن الواجب أن يظهر لكل فرقة ما يقرب به إليها ، ولا ينفر بالمخالفة إلى سائر ما يحكى عنهم ، ولو بنوا الأمر على طريقة النظر ما أقدموا على هذا القول مع وضوح فساده. ولكنهم توصلوا بذلك إلى الاحتيال على الناس ، فقالوا : إن القرآن له ظاهر وباطن ، وتنزيل وتأويل ، وإن الأثر قد ورد بأن تنزيله مفوض إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، وتأويله إلى على رضى الله عنه ثم إلى سائر الحجج (أى الأئمة) وأنه لا بد من معرفتهم ليصح أن يعرف مراد الله تعالى ، فجعلوا ذلك طريقا إلى القدح فى الإسلام والدين ، لأنه مبنى على القرآن والسنة ، فإذا أخرجوا من القرآن ما يعرف به الشيء ، وكذلك السنة وجعلوهما ظاهرين ، وجعلوا المرجع إلى الباطن الذى لا يعلم إلا من جهة الحجة (الإمام) ولا حجة فى هذا الزمان فقد سدوا باب معرفة الإسلام ، وطعنوا فيه ، فعظمت مضرتهم (١).
__________________
(١) المغنى ج ١٦ ص ٣٦٤ والذين يقولون لا فرق بين المذاهب والديانات بعض الصوفية الذين يدعون الوصول إلى الحقيقة ، ولعلهم من أصل باطنى.