بترجيع بعض الجمل والكلمات من غير قصد إلى التطريب ، وإيقاظ المشاعر بغير نغم القرآن ، بل بنغم الألحان الذى يمنع ذكر الله تعالى ، والخشوع الذى وصف الله القرآن به إذ قال سبحانه وتعالى : (مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) [الزمر : ٢٣].
ومهما تكن الأقوال فى معنى التغنى فمن المتفق عليه بين الموسعين ، والمتمسكين كابن المسيب ومالك وابن حنبل ، وغيرهم ، أن القراءة بالألحان والتطريب والغناء لا تجوز لأنه يخل بمقام القرآن ويوجه الناس إلى الطرب بالألحان بدل الاستفادة بمواعظ القرآن ، وهدايته ، وتعرف أحكامه ، وما فيه من أدلة التوحيد وأحوال الأقوام مع الرسل السابقين.
وإنه يجب فهم التغنى على ضوء قوله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وعلى ضوء ما عرفناه من قراءة النبى عليه الصلاة والسلام وترتيله الذى علمه الله تعالى إياه وعما أثر عن السلف الصالح.
ولقد قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم : «أحسن الناس صوتا من إذا قرأ رأيته يخشى الله تعالى» فهل هذا يتفق مع التلوى بالألفاظ ، وعدم مراعاة المعانى ، وإنما تراعى الألحان ، والناس فى طرب بسماعها ينصتون إليها ويطربون ولا تنالهم الخشية من خطاب الديان لهم بالقرآن الكريم ، كلام الله تعالى بيانه.
٢٦٧ ـ ولننتقل بعد ذلك إلى حديث أبى موسى الأشعرى وثناء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، وقد روى بعبارات مختلفة منها هذه العبارة التى قالها بعد أن عبر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم باستحسانه بقراءته ، فقد قال رضى الله تعالى عنه للنبى عليه الصلاة والسلام : «لو أعلم أنك تستمع لقراءتى لحبرته لك تحبيرا» ، والتحبير التزيين ، وهو كما قلنا فى كل شىء بما يناسبه ، فالذى يناسب القرآن الكريم هو الترتيل المصور للمعانى القرآنية المربى للخشوع ، والعظة والاعتبار ، والذى يجعل المعانى القرآنية تنساب فى النفوس.
وقد رويت عبارة أبى موسى الأشعرى بنص آخر يوضح الرواية الأولى ، ولا يخالفه ، أنه قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنى لو علمت أنك تستمع لقراءتى لحسنت صوتى بالقرآن ، وزينته ورتلته».
فهذه الرواية تدل على أن التحبير والتحسين كان فى الصوت ، لا فى القرآن الكريم ، وإن ذلك التحسين كان فى دائرة الترتيل ، ولا شك أن حسن الصوت ، إذا اقترن بالترتيل ، ولم يتخالفا ، ولم ينحرف القارئ إلى ألحان الأعاجم ، وإلى الغناء وتطريب السامعين ليتمايلوا يمينا وشمالا ، ويقرنون ذلك بآهات مهوشة ، تشبه المكاء والتصدية كما كان أهل الجاهلية يفعلون ، ولننتقل من بعد ذلك إلى ما روى عن عقبة ابن عامر أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال : «تعلموا القرآن وغنوا به واكتبوه».