وفيه القصص والعبرة ، وما كانوا يعلمون شيئا من ذلك من قبله. فيه قصة أبى الأنبياء إبراهيم عليهالسلام ، وقصة بناء الكعبة (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) [البقرة : ١٢٧] ، وفيه أنباء البلاد العربية التى تعلن آثار الأقوام عما أنزله الله تعالى بهم ، وفيه قصة موسى عليهالسلام ، وفيه قصة مريم ، وتربيتها ، وكيف اختصموا فى كفالتها ، وكيف يستخدمون القرعة بالسهام لتكون كفالتها لمن تكون السهام له : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (٤٤) [آل عمران : ٤٤].
قرءوا ذلك وسمعوه ، فكان العجز لهذه الأمور الذاتية ، لا لأمور أخرى ليست من القرآن.
الصرفة
٣٣ ـ عرف العرب أنهم عجزوا عن أن يأتوا بمثل القرآن ، وعللوا عجزهم بما استرعاهم ما فيه من حلاوة اللفظ ، وطلاوة المعنى والتركيب ، وعمق ما اشتمل حتى إنه مغدق فى جذوره كلما تكشف القارئ عن عمقه رأى ما لا يصل إليه البشر ، وكلما اتجه إلى أعلاه وجد ثمرا شهيا.
هذا أمر ظاهر ، ولكن الفلسفة التى تسيطر على عقول بعض الناس ، ولا تكون فيها ثمرة ناضجة قد يتجهون بها إلى كل ما يرونه بديئا فى التفكير سواء أكان متصلا بالحق المجرد أم لم يكن متصلا ، وسواء أكان متفقا مع الإيمان والواقع أم لم يكن ، بل إن المتفلسفين ربما اتجهوا إلى الفكرة ، لا لأصالتها ، ولكن لغرابتها ، ولا لأنها لا بد منها لتحقيق الحق وإبطال الباطل ، ولكن للترف العقلى ، لا يفرقون بين أمر يتصل بالإيمان وأمر لا صلة له بالإيمان.
وإن بعض المتفلسفين من علماء المسلمين اطلعوا على أقوال البراهمة فى كتابهم «الفيدا» وهو الذى يشتمل على مجموعة من الأشعار ليس فى كلام الناس ما يماثلها فى زعمهم ، ويقول جمهور علمائهم أن البشر يعجزون عن أن يأتوا بمثلها ، لأن براهما صرفهم عن أن يأتوا بمثلها.
يقول فى ذلك أبو الريحان (١) البيرونى فى كتابه «ما للهند من مقولة مقبولة فى العقل أو مرذولة» ما نصه :
«إن خاصتهم يقولون أن فى مقدورهم أن يأتوا بأمثالها ، ولكنهم ممنوعون من ذلك احتراما لها».
__________________
(١) توفى سنة ٤٣٠ ه.