الرفعة بكون الآيات مادية أو حسية ، بل بأمور قدرها الحكيم العليم الذى له وحده حق نوع التفضيل والرفعة.
ونعود بعد ذلك إلى الإجابة عن السؤال الوارد ، فنقول : إن العلماء قالوا : إن كل معجزة مناسبة للعصر الذى أرسل فيه كل نبى ، إذ تكون هادية ومرشدة ، وخرقها للعادات الجارية يكون أوضح ، ومناسبتها لرسالة النبى المبعوث يكون دليلا على كمال الرسالة وعموم شمولها لكل الأزمنة.
وقد نخالفهم فى بعض ما ذكروا أو نوافقهم ، فنرى أن إبراهيم جاء فى قوم كانوا على مقربة من عبدة النار ، فكان فى إطفاء الله تعالى للنار من غير سبب ظاهر بيان بعجز النار التى تعبد.
ونوافقهم فى أن معجزات موسى عليهالسلام كانت مناسبة لأهل مصر لأن السحر والكهانة كانا فيهم ، وقد كان للسحرة مكانة عندهم ، وبقية المعجزات كانت متعلقة بالزرع وآفاته ، وهم أهل زرع وضرع من أقدم العصور ، كما قال تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (١٣٣) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٣٤) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) (١٣٥) [سورة الأعراف : ١٣٣ ـ ١٣٥].
وهكذا كانت تسع آيات حسية مناسبة لأهل مصر ، وبنى إسرائيل ، فكانوا يقولون أنه سحر ، واقرأ قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) (١٠٢).
[سورة الإسراء : ١٠١ ـ ١٠٢]
٣ ـ هذه معجزات إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام وهى مناسبة لزمنهما ، وكذلك معجزة عيسى عليه الصلاة والسلام كانت مناسبة لعصره ، لا لأن عصره شاع فيه علم الطب كما يقول بعض علماء الكلام ؛ لأن علم الطب لم يكن رائجا بين بنى إسرائيل ، فلم يكن بينهم علم أبقراط ، كما قرر رينان فى كتابه «حياة يسوع» بل إن معجزاته كانت من ذلك النوع لسبب آخر يجب أن نتلمسه من غضون التاريخ ، ومن حال بنى إسرائيل ، ذلك أن العصر كان عصرا ماديا يؤمن بالمادة ولا يؤمن بالغيب ، بل كان من اليهود من لا يؤمن باليوم الآخر ، وإنك لترى أن التوراة التى بأيدينا ، وهى ميراثهم من التوراة التى حرفت ، تقرر أن نفس الإنسان هى دمه.