عامة وبالنسبة لمحمد خاتم النبيين خاصة. وذلك إما برسول يشاهد ، يرى ويسمع كلامه كتبليغ جبريل للنبى صلىاللهعليهوسلم (يراها النبى صلىاللهعليهوسلم وحده) ، وإما بإلقاء فى الروع كما قال صلىاللهعليهوسلم : «إن روح القدس نفث فى روعى» ، وإما بمخاطبة الله تعالى وسماع كلامه سبحانه من غير حس ، كما كان فى المعراج وفرض الصلوات.
وبكل تلك الأنواع والطرق كان وحى الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم.
ونجد فى إضافة الإيحاء إلى الله تعالى بيان عظمة الوحى ، وكون الإيحاء إلى النبى صلىاللهعليهوسلم مخاطبا له جل جلاله إعلاء لشأنه ، وبذلك تتآخى فى رفع شأن الرسالة والنبى صلىاللهعليهوسلم.
وقوله تعالى : (رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) ، والروح هنا قال أكثر المفسرين للقرآن إنه جبريل ، ونرى أنها تشمل جبريل عليهالسلام فقد سماه الله تعالى روح القدس ، ويكون معنى الإيحاء الإرسال ، ويشمل القرآن ، ويشمل الشريعة نفسها ، وتسميتها بالروح لما فيها من معنى البقاء والحياة إلى يوم القيامة ، وإضافتها إلى من أمر الله تعالى لتشريفها وتشريف من جاءت إليه وبعث باسمها ، وهكذا نجد مع ائتلاف الألفاظ فى النسق والنغم وجرس الكلام تآخيا فى المعانى ، فإنها كلها تدل على شرفها بعظم مصدرها وهو الله تعالى ، وكبر المعانى فى ذاتها ، فكان لها شرف المعانى ، وكان لها شرف أنها من الله تعالى ، فأى كلام بليغ يصل إلى كل هذا فى التآلف بين المعانى والألفاظ.
٥٨ ـ والآية السامية تحوى فى سياقها ، دليل الرسالة فيقول تعالى : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) ، وإن هذا النص الكريم مع إيجازه يرمى إلى ثلاث حقائق :
الأولى : أنه ما كان يعلم علم الكتابة فلم يكن قارئا ولا كاتبا وعبر هنا عن العلم بالدراية ، لأن الدراية علم يأتى بالتعلم والممارسة ؛ فهو علم كسبى ، وأنه ما كان يعلم بالدراية ، ونفى الدراية فى الإيمان لأنه لم يكن هناك من يلقنه علم الإيمان إلا أن يكون إلهاما من الله تعاونه الفطرة المستقيمة ، وقد يقال أن النبى صلىاللهعليهوسلم كان مؤمنا منذ بلغ التمييز وقبل ذلك ، فكيف كان لا يدرى الإيمان ، والجواب عن ذلك أنه كان موحدا ، ولكن بقية ما يقتضيه الإيمان من صلوات وزكوات وتنظيم للمجتمع ، وطرق التعامل السليم ، ما كان يدريه ، وبهذا يفسر قوله تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٧) [الضحى : ٦ ، ٧].
الثانية : أن فى هذا الكلام السامى حجة على أن القرآن من عند الله تعالى ، وأن محمدا لم يأت به من عنده ، لأنه ما كان يقرأ ولا يكتب ، وهذا كما قال الله تعالى فى