١٦٥ ـ (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥))
[آل عمران : ١٦٥]
المصيبة النازلة هي من النفس باعتبار النفس العين وباعتبار الجسد العيان ، والمصيبة نازلة من أفق الروح إلى فلك النفس ، ولهذا جاء في الآية أن المصيبة هي : (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ).
١٦٦ ـ (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦))
[آل عمران : ١٦٦]
ما نجم يوم التقى الجمعان ، كان بإذن الله ، والإذن يطلب أن تمارس الأسماء قواها ، وقال سبحانه في موضع آخر : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران : ١٤٠] ، وقوله : (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) يعني تمييز الخبيث من الطيب ، ولا خبيث ولا طيب عند الله قبل التعين ، إذ الطيب والخبيث لإبراز الطيب ، والله ما عنده إلا الطيب ، وسمى أفلوطين هذا الطيب الخير ، وكذلك أفلاطون.
١٦٧ ـ (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (١٦٧))
[آل عمران : ١٦٧]
اختلفوا في العلم الإلهي هل هو ثابت أو متغير ، والقضية ذات علاقة بالقضاء والقدر ، فالقضاء ما كان في علم الله القديم ، وهو الكليات في القبضة قبل انتشار الأشعة النورانية ، فالعلم الإلهي بمثابة الكليات الأزلية الثابتة كما قال تعالى : (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) [يونس : ٦٤] ، أما القدر فهو انتشار أنوار الأسماء ، أي طلبها للعمل لممارسة قواها ، والمحل هو العالم المادي حيث يصير ما هو بالقوة بالفعل ، وهنا يدخل العلم طور التحقيق ، أي بروز الكليات للعيان ، ولما كان العيان محسوسات ، أي صورا ، أي كثرة ، كانت الكليات تتبع الجزئيات ، ومن هنا ظهرت نظرية العلة ، المعلول ، وارتباط الأصل بالفرع ، والفرع بالأصل ، أو ما يقال بلغة الصوفية الحق والخلق ، فالاسم هنا يطلب مظهره ، ومظهره يعطيه ظهوره ، ولما كان مسرح الجزئيات يقتضي اشتراك عدة أسماء في إخراج الفعل ، كأن تتطلب النبوة رجالا ومالا وعدة وأخلاقا عظيمة ، ولما كانت هذه الأسماء بحاجة إلى ما يخرجها إلى حيز التنفيذ وهو التضاد ، أي أن تكون ثمة أسماء مضادة ليكون الحليم حليما ، فالنتيجة تكون جديدة ، وهي معلومة جيدة بالنسبة إلى صاحب الأسماء الذي هو الحق.
فالاسم في الصراع قد ينجح في التغلب على نقيضه وقد يفشل ، وهذا أمر يأمر الله بوقوعه ، وينتظر ظهور نتيجته ، ليكون من ثم أمرا آخر يتلاءم مع الوضع الجديد ، ولهذا قالت الصوفية : إن التبدل واقع في المعلومات الإلهية ، أي واقع في الأمور التي يريد الله معرفتها ، ولدى