سورة النساء
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
١ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١))
[النساء : ١]
النفس الواحدة وجهه سبحانه ، أو صورته ، أو قطعة من نوره اقتطعت لعرض القوى والإمكانات ، فعلى الحقيقة كان القطع إشعاعا وصدورا دائمين ، حاشاه سبحانه أن ينفصل عنه شيء ، أو يتصل به ، بل هو صدور في صدور ، ونور على نور.
وزوج النفس النفس الحيوانية ، وأصلها اسمه تعالى الحي ، فهذه النفس هي الرحم الذي حوى كل ظهوراته سبحانه من أجرام ونبات وحيوان وإنسان ، وكلها موجودة به ، منفعلة بالاسم الحي ، لا قوام لها من دونه ، ولا غنى لها عنه ، فهو سر قيوميتها وديمومتها وأزليتها وأبديتها وسيرورتها وصيرورتها. والبث التعين ، وهو ظهور صور الرجال والنساء من هذه الرحم الحية ، والصورة العين ، والعين الصفة ، والصفة المعدن الذي هو أرض النفس.
فالظاهر كثرة ، والباطن وحدة ، ولهذا يقال عن البشر بنو آدم ، وأبوهم آدم ، فآدم ممثل الوحدة ، وهم التكثر والتعين ، ولهذا كان آدم نبيا لأنه أول تعين صوري بعد العقل ، ولا انفصام على الحقيقة بين الظاهر والباطن ، كما لا تنفصل أمواج البحر عن البحر ، بل هي هو ، وهو هي ، وكل شيء هالك إلا وجهه.
٢ ـ (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢))
[النساء : ٢]
اليتامى إشارة إلى الحواس الظاهرة والباطنة ، والقلب هو المسؤول عن هذه الحواس ، فالحواس الظاهرة جسر منصوب بين الخارج والداخل ، والحواس الباطنة جسر منصوب بين الداخل والخارج ، وهي جميعها وديعة استودعها الله الإنسان ، ولهذا جاء في الآية : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ ،) فأموال الحواس ملك لله الفاعل بها على انفراد ولو لاه ما فعلت ولا انفعلت ، وأموال القلب الفكر الذي هو الوعي الذي يحاول أكل مال الحواس إلى ماله ، وذلك بأن يدعى أن بصره بصره ، وسمعه سمعه ، ويده يده ، ورجله رجله ، والملاحظ أن للحواس وجودا غير وجود الأنا ، والدليل أن الأذن قد تسمع لحنا ، فإذا كان القلب مشغولا بشيء آخر انشغل عن سماع اللحن ، فهو يسمعه ولا يسمعه ، يسمعه بحاسة ولا يسمع بقلبه لانشغال قلبه.