واستنتاج واستنباط عن طريق السمع والبصر والكلام والخيال والذاكرة والحدس ، فإن على القلب عندئذ أن يدفع للحواس مالديه من علم ، وهو علم فطري جواني مركوز في النفس بالفطرة فتتغذى الحواس بعد أن تقوم على أسس الإيمان.
وقوله سبحانه : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) يعني أن على القلب ألا يأكل من العلوم التي تقدمها الحواس إلا بمقدار ، لا كشأن الطبيعين الذين لا يرون في الوجود إلا الطبيعة وقواها ، ومنها الفكر والحواس ، فيأكلون كل ما تقدمه بغير حساب ، وقوله ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف يعني الحد الذي يجب على القلب الوقوف عنده سواء في اعتماده العالم الحسي أو في اعتماده عالم الفكر ، لأن هناك عالما آخر هو عالم الذات الصرفة حيث الحياة الحقيقية والعلم اليقيني.
٧ ـ (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧))
[النساء : ٧]
الوالدان إشارة إلى الروح الفاعل وإلى النفس المنفعلة ، والرجال أصحاب القلوب الآخذون من الروح والنفس ، وقوله : (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ) يعني الحواس التي لها نصيب أيضا من عالم الروح والنفس.
٨ ـ (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨))
[النساء : ٨]
أولوا القربى الصفات التي طبع الله بها القلب وكذلك المساكين ، فهذه الصفات لها نصيب أيضا من عالمي الظاهر والباطن ، إذ أن الجميع عائلة واحدة هي العائلة الآدمية الإنسانية الشريفة المخلوقة للتعلم.
٩ ـ (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩))
[النساء : ٩]
الذرية الضعاف النفوس الجزئية بعد تعينها من النفس الكلية ، ووصفت بالضعف لانفصالها عن أمها ، ولهذه الذرية نصيب من القسمة لتحيا وتمارس دورها الذي خلقت لتمثيله.
١٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠))
[النساء : ١٠]
حذر الله من أكل أموال اليتامى ، أي نهب علوم الحواس بغير حق ، فما تقدمه الحواس جنيا من العالم الخارجي إنما هدفه الكشف عن التواجد الإلهي في قلب الوجود الإنساني ،