ولهذا ربطت الآية بين أكل أموال اليتامى ظلما وبين المصير إلى النار ، لأن الاعتماد على علوم الحواس دون الرجوع إلى المعين الروحي يؤدي إلى الحجاب الكلي ، وهو حجاب الطبيعة ، ولهذا وصف هذا الحجاب بالنار أي نار عالم الطبائع.
١١ ، ١٢ ـ (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١) وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢))
[النساء : ١١ ، ١٢]
في الآيتين خلاصة قانون الإرث الإسلامي كما أنزله الله ، وهي ذات وجهين الظاهر والباطن ، ولقد وقف المفسرون الصوفيون مثل ابن عربي في تفسيره للقرآن ، وقيل إن هذا التفسير للقاشاني ، وقف أمام الآيتين ملقيا سلاح التأويل ، واعتذر عن عدم إمكان تأويل ما جاء من ثلث وربع وسدس وثمن ، أما نحن فلقد استخرنا الله سبحانه قبل الشروع في هذه العملية ، واطلعنا كشفا على ما أثبتناه.
فقوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) يعني إرجاع التضاد إلى الوحدة ، لأن للأسماء جميعا شطرين إيجابي وسلبي كما أسلفنا القول ، فالشطر الواحد أنثوي ، لأنه قابل منفعل ، يأخذ عن الإلهام الإلهي كما قال سبحانه في موضع آخر : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) [الشمس : ٧ ، ٨] وبالمقابل فإن الواحد في الاسمين المزدوجين المتضادين ، والفاعل هو الروح ممثل الحق فهو الذكر ، ولهذا كان له مثل حظ الأنثيين ، ويؤكد هذا قول الآية : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) أي أن للنفس المنفعلة القابلة نصف ما يلقي من الإلهام بشطريه.
وقوله : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) يعني أن الأبوين هما الروح والنفس الكلية ، وكلاهما فاعلان لأنهما المولدان للنفس الجزئية ، ولذلك كان نصيبهما واحدا وبالتساوي ، وأضافت الآية : (إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) والولد هنا ما ولد من النفس الجزئية ، وهو ظهور الحق