القرية الظالم أهلها إشارة إلى البدن ، والأهل الحواس الظاهرة والباطنة ووصف الأهل بأنهم ظالمون لأن هذه الحواس تطغى وتأسر ، مثلما ألقى إخوة يوسف أخاهم في جب الطبيعة ، والخروج الخروج من كهف البدن ، كما خرج أصحاب أهل الكهف ، وفي هذا الخروج النجاة من حبس البدن وحواسه الحاجبة لله.
وقوله : (وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) أي إجعل لنا من لدنك نصيرا ، كما ختمت الآية ، وكما جاء في سورة الفتح : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) [النّصر : ال] ، فالولي هنا حدوث الولاية ، والولي هو الله سبحانه كما قال سبحانه : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [البقرة : ٢٥٧] ، فالخروج من كهف البدن ، أي النجاة من الإنيّة والاثنينية ، لا يتحقق إلا بنصر من الله ، وهذا النصر هو الكشف الذي يصبح العبد بعده بدوره وليا عارفا مطلعا على الغيب ، يعلم تأويل الأحاديث ، ويفعل عن أمر الله ، كما قال العبد الصالح في القرآن.
٧٦ ـ (الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦))
[النساء : ٧٦]
أولياء الشيطان خواطر السوء ، وعلى القلب محاربة هذه الخواطر لأنها إن تمكنت أهلكت.
٧٧ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧٧))
[النساء : ٧٧]
الإسلام دين الجهاد ، ولأنه أيضا دين عالمي كما قال سبحانه : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران : ١٩] ، وكما سمي إبراهيم عليهالسلام حنيفا مسلما ، فالنتيجة أن الجهاد ، أو الصراع الوجودي ، أو التناقض أو الديالكتيك بلغة الفلسفة الحديثة ، هذا كله أساس الحياة وجوهرها ، إذ سبحانه القائل ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ، وكل فار من الصراع واقع في شباكه لا محالة ، إذ لا فرار من صراع الأسماء بعضها بعضا ، وكل إنسان مظهر اسم وممثل معنى من المعاني الكلية ، فالصراع أساس الحياة بدءا من الجراثيم وانتهاء بأكبر الأجرام.
٧٨ ـ (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨))
[النساء : ٧٨]