سورة الأنعام
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
١ ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١))
[الأنعام : ١]
السماوات سماء الروح ، والأرض أرض البدن ، والظلمات النفس الحيوانية التي هي الوجه الباطن لعالم المحسوسات ، والتي وصفها بأنها أمارة ذات قوتين هما الشهوة والغضب ، إذ طغت استعبدت القلب ، فأبعد عن ربه ، وهذا معنى خروج آدم القلب من الجنة وهبوطه مع حواء النفس إلى العالم المادي.
وقيل : إن حواء مخلوقة من ضلع آدم ، كما جاء في الحديث إن المرأة خلقت من ضلع عوجاء أو أعوج ، وللقول لطيفة ، فما دام آدم مخلوق على صورة الرحمن ، فإن معنى خلق حواء من صدره هو صدور النفس الأمارة من نفس آدم التي هي صورة إلهية ونفس إلهي.
فالذات الإلهية شطرت منها شطرا جعلت فيه القوى ، ووكلت بها عالم المادة ، فلا انفصام بين هذه النفس والمادة ، ولهذا أطلق عليها اسم النفس الحيوانية ، والحيوان من الحياة ، والانشطار ذاته فعل إلهي لتحقيق قصد إلهي هو إخراج النور من الظلمات كما ورد في الآية ، وهذا هو القصد من تضاد الأسماء وصراعها ، إذ الشيء بنقيضه يعرف ، فهبوط آدم إلى الأرض بواسطة النفس الحيوانية كان بقصد تحققه من الأسماء التي ركزها الله فيه بالقوة كما يركز الشيء في الأرض.
ولما كان آدم جامعا ، وكان له مقام الجمعية الأسمائية لأن قلبه حوى علم الأسماء فإن آدم هو الإنسان الكامل ، وهو خليفة الله في الأرض ثانيا ، وهو نائبه يوحي إليه ، فخارج هذه الجمعية لا وجود لبشر ، ولهذا تابعت الآية قائلة : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) أي يجعلون لله آلهة تساويه في القيمة والعبادة ، وهذا مستحيل لأن السماوات والأرض أي الوجود ظاهرا وباطنا هو لله وحده.
٢ ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢))
[الأنعام : ٢]
الطين مثل الذرات المادية التي يتكون منها كل شيء حي ، وخارج عالم الذرة لا يوجد عالم آخر ، واختلفوا في عالم الذرة وأصله وخروجه ، فقالوا هو موجود بذاته ، وقال آخرون :